أيمن كامل جواد
حملة ثقافة المحبة والسلام
28 Apr
المحبةُ من وجهِها الآخرِ/ إعداد: أيمن كامل جواد

مجلة سماء الأمير ـ خاص:

(خاص بحملة ثقافة المحبة والسلام التي انطلقت بالتعاون بين دار الكتب والوثائق ومجلة سماء الأمير الإلكترونية)

قال تعالى: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي).

حتى لا أدخل هنا ضمن إطار النظرة القائلة "أصبح التفسير لكل من هب ودب"، أنقل ما يؤكده المفسرون من أن الروح البشرية المتمثلة بآدم عليه السلام ما هي إلا من عبق روح الله وصنعه، كما جاء هذا في الأديان السماوية كافة. من هذا المنطلق الإلهي، فضلًا عما تؤكده النزعة الإنسانية السليمة بقيمة الإنسان، جاء التأكيد من قبل الأنبياء والأوصياء والعقلاء على التحلي بكل السمات الإنسانية، إضافة إلى احترام النفس البشرية بكل جوانبها وتفاصيلها، كجزء من المنظومة الإنسانية وعنصر أساسي في ارتقاء الإنسان إلى مرتبة سامية تقف المصطلحات عاجزة عن تعريفها.

ولأسباب عديدة، أسدلت الغفلة ستائرها على هذا الركن المضيء في الحياة الآدمية، حيث تتضح معالم هذه الغفلة على سلوكياتنا مع الآخر الفاقدة لمعظم معايير الحب والاحترام الإنساني غير المادي ونكران الذات التي باتت كحيوانات آيلة إلى الانقراض أمام أعين لا تكترث إلا بذاتها ولا تستوعب غير شخصها الكريم! هذه الغفلة لم تكن غائبة عن أعين العقلاء والأدباء والمثقفين، فهم وضعوا يد نتاجاتهم على دائها المستشري في أحشاء مجتمعاتنا محاولين اجتثاثها بمشرط أقلامهم النيرة. حيث ذكر العديد من الأبيات الشعرية والنصوص الأدبية والمقالات التي تحمل مشاهد إنسانية جليلة قد لا تخفى على الكثير، دعت إلى التحلي بالصفات الإنسانية التي من شأنها أن تنعكس إيجابيًا على واقع الحياة. أذكر هنا قولًا لأبي العلاء المعري مفصحًا عن جانب الإيثار الذي يحبب فيه مشاركة الآخرين في سعادتهم على سعادته بمفرده، قائلًا:

ولو أُحْبِيتُ فردًا 

لما أحببتُ في الخلد انفرادا 

فلا هطلت علي ولا بأرضي 

سحائب ليس تنتظم البلاد

قد يقول أحدهم إني أتكلم من برج عاجي، واستحالة سحب هذا إلى أرض واقعنا الآن، لذلك أحببت الإشارة هنا إلى ما شاهدته من بعض مظاهر الإنسانية بعد ما سنحت لي الفرصة لزيارة إحدى البلدان. من جل هذه المشاهد الإنسانية، لا سيما وهي تحتضن أفرادًا من معظم جنسيات العالم متعايشين إنسانيًا بعيدًا عن التشنجات العرقية والقبلية وغيرها، بشكل جعلني أقف وكل من زارها معي عندها راجيًا أن نحقق كل هذا في مجتمعنا، لا سيما مع ما يمتلكه من أرض خصبة لذلك، بدءًا برؤية أنفسنا وإصلاحها نحو تقديم الخير للآخر والسعي إلى كل مساهمة تشير إلى طريق الإنسانية المضيئة بالمحبة الخالصة، فضلًا عن التواصل مع الآخر بكل طرق المحبة والاحترام ودعم بعضنا بعضًا وتحفيز كل ما هو إنساني. أعتقد أنه العقار الوحيد لتخليص مجتمعنا من زكام الحقد والكره بكل وجوهه المريضة التي قد تؤول بنا إلى حافة هاوية التخلف. حينئذٍ، سنتناغم مع بعضنا لنعزف أجمل موسيقى الحب الإنسانية، وسنضرب أول وتر من عود المحبة الأصيل، ونطرق أبواب الوئام لتنفتح أمامنا آفاق الإنسانية الرحبة، ونسير في أزقة الود وشوارعها، وتهطل أمطار الوجد الإنساني لتفيض مدن أحلامنا، ونصحو من فراش الأمل ونستيقظ من حلم حب الإنسان للإنسان الذي يدغدغ مخيلتنا بين الحين والآخر ونراه قد تحقق، وسنترك الوقوف على زلات الآخرين ونسعى إلى تصحيحها وتقويمها بالكلمة الطيبة، وسنسيطر ونحكم قبضتنا على لجام مفرداتنا الجارحة للآخر ونروضها بمبدأ حسن النية، وسيأتي ربيع المحبة الإنسانية وتزدهر فلله وياسمينه وأرجوانه ويفوح عطرها الأخاذ ويشق طريقه إلى أنفاسنا.

لكن الأسئلة الملحة هنا، هي: متى نزرع كل هذا ونحن في غفلة عن أبعادها السامية؟ متى يمكن استئصال الكره من بعض القلوب العليلة؟ متى نشيع ثقافة تقبل الآخر كإنسان لا غير؟ ومتى نطور فنون التعامل معه؟ متى نرى كل هذا في وجوهنا؟ متى نرى حب الله في إنسانه؟ متى؟


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة