تناولت الحلقة الاولى من هذا الملف تعريفا بالقانون وتشخيصا لنقاط الضعف العلمي في اهم مادتين فيه (تعريف العنف ،وأهداف القانون)..ومن اجل تقويم مضامين هاتين المادتين ومواد اخرى..خصصنا هذه الحلقة. كان القانون قد عرّف العنف بأنه (كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد باي منهما، يرتكب داخل الاسرة، يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي)..وهو تعريف موجز وضبابي وغير شامل اذا ما قورن بتعريف اهم جهتين علميتين في العالم،اذ تعرّفه الأمم المتحدة بأنه: (أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه أذى أو معاناة ، سواء كان بدنيا أو جنسيا أو نفسيا، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل،أو القسر أوالحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة)فيما تعرّفه منظمة الصحة العالمية بأنه : (الاستعمال المتعمد للقوة الفيزيائية(المادية) ضد الذات أو ضد شخص آخر أو ضد مجموعة أو مجتمع، يؤدي إلى حدوث إصابة أو موت أو ضرر نفسي أو اعاقة نمو أو حرمان).
كما انه لم يقدم تعريفا موفقا للعنف الموجه من الرجل نحو المرأة سوى عبارة في الأسباب الموجبة هي بالنص (.. ووقاية المرأة من الأفعال التي تشكل عنفاً بأشكاله المختلفة، مما يستوجب السعي الحثيث لتجريم تلك الأفعال وملاحقة مرتكبيها)..فيما عرّفته الأدبيات بأنه : أي سلوك يصدر من الرجل بطابع فردي أو جماعي، وبصورة فعلية أو رمزية أو على شكل محاولة أو تهديد أو تخويف أو استغلال أو التأثير في الإرادة، في المجالات الأسرية أو المجتمعية أو المؤسسية، سواء أكان هذا الرجل أب، أخ، عم، خال، زوج، إبن، زميل، أو أي رجل آخر قريب أو غريب بقصد إيذائها جسديا أًو جنسيا أًو نفسيا أًو لفظيا،ً أو بقصد التحقير والحط من شأنها أو الانتقاص منها، أو انتهاك حقوقها الإنسانية أو القانونية أو كليهما، مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو كليهما بغية تحقيق غرض شخصي لدى المعنَفِ ضد المرأة الضحية)..وهكذا ينبغي ان يكون مفهوم العنف في القانون لتكون الصورة واضحة لدى الأجهزة المعنية بتنفيذه والأدعاء العام والقضاة.
انواع العنف
ليس العنف ضد المرأة نوعا واحدا كما هو شائع في ثقافتنا ،وانعكاسها في القانون ايضا!،بل على انواع نوجزها بالآتي:
العنف الجسدي:
كل سلوك عدواني يهدف إلى إيذاء جسم الضحية وإلحاق الضرر بها سواء كان بالضرب أو التعذيب بالكي والحرق أو شدّ الشعر أو الرمي والقذف من مكان لآخر. ويعدّ العنف الجسدي من أشد انواع العنف واكثرها شيوعا،ويتراوح من أبسط أشكال الضرب الى اخطرها الذي يتسبب بترك آثار وتشوهات على جسد الضحية يسبب لها آلاما نفسية،وينتهي بافضعها..القتل.
العنف الجنسي:
السلوك الذي يتمثل باستغلال الضحية جًنسيا سًواء أكانت قاصرة أو بالغة.. بالغصب وليس بالرضا، بصورة اعتداء دون رضاء المرأة، سواء المتزوجة أم غير المتزوجة كالاغتصاب والتحرّش والإرغام على المحرمات الجنسية الشاذة.
العنف النفسي:
محاربة الضحية معنويا وًمحاولة إيذائها وإذلالها نفسيا بإيجاد المعنف لنفسه الأعذار كأن تكون تحت مسمى الدين أو السلطة أو غيرها.ويتجسد بالحبس وتقييد الحرية، فرض الحجاب، الطرد، الهجر، الجفاء، التحقير.. وكذلك إذلالها وإشعارها بالدونية أو الشتم والتحقير.. واتهامها بالجنون أو التهديد التي تؤدي الى قتل الطاقات العقلية والاصابة بامراض نفسية مثل الاكتئاب والانكفاء على الذات.. والتي غفلها القانون العراقي للأسف.
العنف اللفظي:
وفيها تكون الألفا ظ الجارحة هي الوسيلة التي يستخدمها المعنَفِ ضد ضحيته بما يؤدي إلى إيذاء مشاعرها مثل السب أو الشتم أو أي كلام يتضمن التجريح، أو وصف الضحية بصفات مزرية تشعرها بالإهانة أو إنقاص قيمتها الاعتبارية.
ولا ينحصر العنف الموجه ضد المرأة بالأسرة (أب،زوج،أخ..)كما هو شائع ،بل هنالك ثلاثة مصادر اخرى غفلها القانون،هي:
العنف المجتمعي
ويقصد به العنف الممارس من قبل المجتمع ضد المرأة الضحية، الناجم عن موروثات الأعراف والتقاليد الاجتماعية والتفسير الخاطئ للدين التي تسوغ أو تسهل أو تعطي الحق بشرعية ممارسة العنف ضد المرأة وتقييد حريتها، وممارسات تنتهك حقوق المرأة التي قد تكون على شكل تحرّش أو تحمّل أي نوع من التمييز الجندري. وتكون بيئتها الأماكن العامة والمنتزهات وطوابير الانتظار والشوارع.
مفارقة:
في العراق..(جاد) النظام الديمقراطي على المرأة بنوع جديد من العنف هو (العنف الطائفي).ففي سنوات الأحتراب الطائفي (2006-2008) استغل او اضطر او اجبر الرجل الشيعي على تطليق زوجته السنّية،وكذا حدث للرجل السنّي المتزوج من شيعية..حتى لو كان لديهم اولاد وبنات وصلوا مرحلة الدراسة الاعدادية!.
العنف المؤسسي
هو العنف الممارس في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية متمثلا بًالقوانين والتعليمات والتشريعات والأوامر والنصوص التي تتبنى التمييز،في دوائر حكومية أوقطاع خاص،,تقرّه عادات المجتمع ومعترف بها قانونا أو بصمت من المؤسسة القانونية الرسمية.
مفارقة:
في شريعة حمورابي ،قبل كذا الف سنة!،نص يعطي الزوجة حق الطلاق في حالة عدم ترك زوجها ما يكفي لأعالتها ،او تقليله من قيمتها، او رغبته في الزواج من أمرأة سيئة الأخلاق,فيما القانون العراقي لا يجيز لها الطلاق ويساند الخيانة الزوجية من قبل الزوج..الا في فراش الزوجية!.
في الحلقة القادمة
لماذا عارضت احزاب دينية وبرلمانيون تمرير القانون؟ ولماذا نمارس العــــنف الأسري؟،وما خصائص شخــــصية الرجل المعنف؟
{ رئيس الجمعية النفسية العراقية