(من مقالات حملة المحبة ونبذ الكراهية) التي أطلقتها مجلة سماء الأمير
قال تعالى (ونفخت فيه من روحي).
حتى لا ادخل هنا ضمن اطار النظرة القائلة "اصبح التفسير لكل من هب ودب " انقل مايؤكده المفسرون على ان الروح البشرية المتمثلة بآدم عليه السلام ماهي إلاّ من عبق روح الله وصنعه، كما جاء هذا في الاديان السماوية كافة.
من هذا المنطلق الالهي فضلا عما تؤكده النزعة الإنسانية السليمة بقيمة الانسان جاء التأكيد على التحلي بكل السمات الانسانية اضافة الى احترام النفس البشرية بكل جوانبها وتفاصيلها، من قبل الانبياء والاوصياء والعقلاء كجزء من المنظومة الانسانية وكعنصر اساسي في ارتقاء الانسان الى مرتبه سامية تقف المصطلحات عاجزة عن التعريف بها. ولأسباب عديدة اسدلت الغفلة ستائرها على هذا الركن المضيء في الحياة الادمية، حيث تتضح معالم هذه الغفلة على سلوكياتنا مع الآخر الفاقدة لمعظم معايير الحب والاحترام الانساني غير المادي ونكران الذات التي باتت كحيوانات آيلة الى الانقراض امام اعين لاتكترث الا بذاتها ولا تستوعب غير شخصها الكريم!
هذه الغفلة لم تكن غائبة عن اعين العقلاء والادباء والمثقفين، فهم وضعوا يد نتاجاتهم على دائها المستشري في احشاء مجتمعاتنا محاولين اجتثاثها بمشرط اقلامهم النيرة. حيث ذكر العديد من الابيات الشعرية والنصوص الادبية والمقالات التي تحمل مشاهدَ انسانية جليلة قد لاتخفى عن الكثير، دعت الى التحلي بالصفات الانسانية التي من شأنها ان تنعكس ايجابيا على واقع الحياة،
اذكر هنا قول لابي العلاء المعري مفصحا عن جانب الايثار الذي يحبب فيه مشاركة الاخرين في سعادتهم على سعادته بمفرده قائلا ولو أني حبيتُ فردا ***** لما أحببتُ في الخلد انفرادا
فلا هطلت علي ولا بأرضي***** سحائب ليس تنتظم البلاد
قد يقول احدهم اني اتكلم من احد الابراج العاجية واستحالة سحب هذه الى ارض واقعنا الآن، لذلك احببت الاشارة هنا الى ماشاهدته من بعض مظاهر الانسانية بعد ماسنحت لي الفرصة زيارة العاصمة البريطانية لندن من جل هذه المشاهد الانسانية لاسيما وهي تحتضن افرادا من معظم جنسيات العالم، متعايشة انسانيا بعيدا عن التشنجات العرقية والقبلية وغيرها بشكل جعلني اقف وكل من زارها معي عندها راجيا ان نحقق كل هذا في مجتمعنا لاسيما مع ما يمتلكه من ارض خصبة لذلك، بدءًا برؤية انفسنا واصلاحها نحو تقديم الخير للآخر والسعي الى كل مساهمة تشير الى طريق الانسانية المضيئة بالمحبة الخالصة، فضلا عن التواصل مع الآخر بكل طرق المحبة والاحترام ودعم بعضنا بعضا وتحفيز كل ماهو انساني، اعتقد انه العقار الوحيد لتخليص مجتمعنا من زكام الحقد والكره بكل وجوهه المريضة التي قد تؤول بنا الى حافة هاوية التخلف. حينئذٍ سنتناغم مع بعضنا لنعزف اجمل موسيقى الحب الانسانية، وسنضرب اول وتر من عود المحبة الاصيل، ونطرق ابواب الوئام لتنفتح امامنا آفاق الانسانية الرحبة، ونسير في ازقة الود وشوارعها، وتهطل امطار الوجد الانساني لتفيض مدن احلامنا، ونصحو من فراش الامل ونستيقظ من حلم حب الانسان للانسان الذي يدغدغ مخيلتنا بين الحين والآخر ونراه قد تحقق، وسنترك الوقوف على زلات الآخرين ونسعى الى تصحيحها وتقويمها بالكلمة الطيبة، وسنسيطر ونحكم قبضتنا على لجام مفرداتنا الجارحة للآخر ونروضها بمبدأ حسن النية، وسيأتي ربيع المحبة الإنسانية وتزدهر فلله وياسمينه وارجوانه ويفوح عطرها الأخاذ ويشق طريقه الى انفاسنا.
لكن السؤال المُلح هو متى نزرع كل هذا ونحن في غفلة عن ابعادها السامية. متى يمكن استئصال الكره من بعض القلوب العليلة، متى نشيع ثقافة تقبل الآخر كأنسان لاغير ومتى نطور فنون التعامل معه. متى نرى كل هذا في وجوهنا، متى نرى حب الله في انسانه , متى , وهل للعمر بقية..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة سماء الأمير العدد السابع نيسان 2023