أسماء محمد مصطفى
حملة ثقافة المحبة والسلام
21 Feb
الحياة قائمة عليها .. هل المحبة صعبة ؟!! / نحو ثقافة المحبة ونبذ الكراهية/ أسماء محمد مصطفى

مجلة سماء الأمير ـ خاص:

(هذا المقال خاص بحملة (ثقاقة المحبة ونبذ الكراهية) التي أطلقتها أسماء محمد مصطفى ومجلة سماء الأمير في سنة 2012، وأضيف إلى قائمة حملة ثقافة المحبة والسلام التي انطلقت بالتعاون بين دار الكتب والوثائق ومجلة سماء الأمير في 10 تشرين الثاني 2024)

المحبة جمال، والجمال وريث الحياة الشرعي. وحيث إن الحياة قائمة على المحبة لا الكراهية، فمن المفترض أن يرث الجمال أرض حياتنا وسماء علاقاتنا الإنسانية، لا أن تتحول الكرة الأرضية إلى حلبة حروب نعجز عن إعادة اكتشاف الفرح والطمأنينة فيها؛ ذلك الاكتشاف الذي يجعلنا نواصل حقنا المشروع في حياة راضية مرضية. لكن المصالح الأنانية والنزعات النرجسية والاستبدادية أوصلتنا إلى ما ليس له علاقة بأساس الوجود.

ويطرأ على الذهن سؤال: هل المحبة صعبة مع أن الحياة قائمة عليها؟

تشوه صفاء الحياة بأدخنة الحروب، وصار الهدوء حلمًا، والسلام الشامل أسطورةً في عالم أكثر ما يجيده هو صنع الألم وإعداد وجبات الموت والعذاب في مطابخ الكراهية، حتى إذا ما قُدمت لنا على موائد المصالح هرعنا لنشبع بطوننا بغذاء الخديعة.

نشن حروبًا بالأسلحة الفتاكة على البلدان والشعوب من أجل أوهام توسعية ومصالح اقتصادية وعُقد عقائدية.نشن حروبًا على بعضنا البعض في حياتنا اليومية غيرةً وحسدًا وجهلاً، ونفرض أفكارنا وتطرفاتنا ومشاعرنا غير الحيادية على كل شيء لا يتفق معنا، ولا نكتشف طاقات الحب فينا لأننا مشغولون بتخديش الآخر الأجمل منا؟ لا لشيء يحدث ذلك إلا لكسلنا، ولتوهمنا بأن تخريب البناء أسهل من تشييده، وتشويه جمال الآخر أيسر من تجميل أنفسنا بالقيم النبيلة.

من الواقعية الاعتراف بأننا لا نستطيع إعادة تشكيل الضمير والمشاعر في كوكب الأرض بإرادتنا الأضعف بل المهمشة والمداس عليها في دائرة صراع الإرادات الكبرى التي تسيطر على بوصلة العالم. لكن ليس وهمًا  الإيمان بمقدرتنا على أن نصنع حياتنا نحن في الأقل بإرادة الحب.

لنبدأ من عالمنا الصغير هذا، فإن أفلحنا، سنتمكن من بناء البلد بخلاصة الروح المُحبة، ولربما أثرنا في سوانا خارج حدودنا.

إذا قلنا إن الآخر لا يستحق محبتنا لأنه مملوء بالحقد تجاهنا، فإن من الجميل أن نحب من يحبنا، لكن من النبل أن نحب من يكرهنا، ونكسب قلبه بأسلوب إنساني هادفًا إلى نزع فتائل الضغينة.

وإذا كان بعضنا يبرر عدم إمكانيته أن يكون مرآة حب خالص بسؤال: هل إن الآخرين من الأهل والأصدقاء والمحيطين يحبونه حبًا مجردًا من المصلحة والأنانية؟ فحريٌّ به وبنا أن نعكس صيغة السؤال، فنقول: هل إننا نحب الآخرين بما يكفي لنملأ بحور العالم بلآلئ الحب الإنساني الخالص؟ هذا الحب الذي يجعلنا أنقياء كقطع ياقوت وصافين كوجوه بحيرات لا تعكرها الأحجار والحصى؟وحين تكون المحبة منطلق تعاملنا مع الآخرين، فإنها تجعلنا نتطهر من الضغائن ورغبات الإيذاء والتوجهات المصلحية والتقولات والشكوك والأسئلة التي ليس من المهم التوقف عندها حتى لا تخرب علاقاتنا الإنسانية؛ هذه العلاقات التي أصبحت تهتز لمجرد نوبة ريح تحمل بعض ذرات الغبار، ذلك أن تفضيل الذات على الآخرين صار لدى العديدين منا أساس التعامل بيننا وليس العكس.

إنّ المحبة ترفعنا إلى رؤية الحياة بمنظار تفاؤلي يجعلنا نتجدد كل يوم بالرغم من الآلام والمتاعب التي تثقل قلوبنا. وحين تكون المحبة الخالصة أساس بناء العلاقة الإنسانية، أيًا كان نوعها، فإنها تعطيها الاستمرارية على العكس من العلاقة التي تنهار لمجرد خلاف أو اختلاف.

ولو أحب بعضنا البعض الآخر كفايةً لما تخاصمنا، ولما انقطعت حبال الوصل بيننا، ولما سببنا الألم للغير، ولعاملناه كما نحب أن يعاملنا، ولما قصر البعض في السؤال عن أصدقائه وأحبابه مهما كانت الظروف مانعةً عن التواصل، ولما جاء إلينا أحدهم حين يحتاج إلينا فقط وليس حين نحتاج إليه، ولو روحيًا، ولما انتظر منا أن نزوره أو نسأل عنه أو نقف إلى جواره من غير أن يبادر هو إلى أن يكون معنا يومًا حتى لو لم نسأله ذلك.

الحب يجعلنا ندرك احتياج الآخر إلى وجودنا معه من غير أن ننتظر أن يطلب منا ذلك بلسان صريح، إذ إن الشعور وحده كاف لنسمع نبضات قلبه ولنقرأ آلامه واحتياجاته ولتدوم علاقتنا الإنسانية به، ذلك أن لهذه العلاقة أن تنهار إذا أخلّ أحد طرفيها بشروط بقائها ونموها. وأحد هذه الشروط هو الحب الخالص المجرد من الأنانية ومن التفكير على نحو مصلحي ذاتي.

فلو أحب بعضنا البعض الآخر كفايةً، لتنزهنا من الأفكار السيئة والعدوانية، ولأصبحنا جميعًا أصدقاء، إذ ليس صعبًا أن نجعل من الحبيب والزوج والأب والأم والأخ والابن والزميل أصدقاء.

من هذه الدائرة العلائقية الصغيرة يبدأ ورد عالمنا بالتفتح في حقول الجمال ليعطر شذاه الوطن، وتستمر فسائل العطاء النقي النزيه بالنمو حولنا وبعيدًا منا حتى.

ذلك ليس صعبًا إذا كانت المحبة أساس تعاملنا، إذ إنها تجعل سماوات عيوننا في صحو دائم كنهارات ربيعية مشمسة لا يقلقها زحف الغيوم السود.ولنتذكر دائمًا...في أفراحنا وأحزاننا،  انتصاراتنا وهزائمنا، أرباحنا وخساراتنا، ثمة رصيد نملكه من محبة الآخرين لنا، هو ما جمعناه مسبقًا ويبقى من محبتنا لهم.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة