أحياناً اتساءل؛ لماذا نحن في أحيان كثيرة نفشل في التحاور مع بعضنا البعض، ما السبب الذي يجعلنا غير قادرين على ان نتبادل الثقة، او بالأحرى ما الذي ينقصنا أو يعيق قدرتنا على خلق مناخ يمكن ان تزدهر فيه الأفكار مهما كانت مختلفة؟
لماذا نبقى متوجسين تأكلنا الريبة وعدم الإطمئنان، هل الخطأ في اننا لا نقترب من بعضنا كفاية، لا نعرف بعضنا، أم اننا بالأصح لا نعرف أنفسنا؟ هل جربنا ان نحاور انفسنا ، أن نلتفت إليها أولاً، أن نعرف ذواتنا، كيف نحن في داخل ضمائرنا، علاقتنا بأنفسنا، هل نعرفها، حتى تسمح لنا أن نتعرف بدورنا الى الآخرين ؟
هل بمقدورنا ان نكون اوفياء لها ولبعضنا البعض؟
تفكرت في البداية وأنا أهمّ بكتابة هذي التساؤلات، بالعبارتين الفلسفيتين؛ "إعرف نفسك بنفسك" و"لا شيء أكثر من اللزوم". هاتان العبارتان مرسومتان على معبد أبولون اليوناني، وتفسران أن لكل انسان منزلته في الكوسموس او النظام الكوني وهو بحسب الفلسفة اليونانية نظام متناغم وليس فوضوياً، هو عادل وجميل وحسن، ولكل كائن منزلة محددة فيه تتوافق مع الدرجة التي يحتلها في "التراتب الشامل بالنظر إلى صفاته الطبيعية". لذلك تشي العبارتان عن مبدأ معرفة الكائن لنفسه بنفسه وفق منزلته التي لا بد ان يبقى وفياً لها كما هي لا أكثر ولا اقل .
فحدود معرفتنا بأنفسنا وفق هذا التوصيف هي ان نعرفها في وجودها الجوهري، أن نتفحص ضمائرنا، قبل ان نتحاور.
ذُكر عن سقراط وهو سيد الحوار مع الآخرين انه كان يدعو معاصريه الى "تمحيص ضمائرهم والى ارتقائهم الداخلي"، قيل عنه أيضاً إنه كان سيد الحوار مع نفسه.
يقول الفيلسوف الفرنسي بيير هادو : "ثمة صلة وثيقة بين الحوار مع الآخرين والحوار مع النفس: لا يستطيع مواجهة نفسه على نحو أصيل مَن ليست لديه القدرة على الملاقاة الأصيلة بالآخر، والعكس صحيح كذلك. لا يمكن للحوار أن يكون أصيلاً إلا داخل إطار الحضور تجاه الآخرين وتجاه النفس".
في الحوار ربما نختلف، وهذا أمر طبيعي، وقد نتفق من يدري! وقد ينمو خلاف في مكان ما، لكن حله بالتأكيد لا يكون بالجدال والسعي الى قهر المختلف وكأننا في حلبة صراع ديَكة غَلَبته للاقوى الذي يستطيع ان ينتف ريش الآخر ويسلخ جلده! بل باقتفاء أثر الوعي القائم على الإحترام والإصغاء بعقل منفتح وبفهم أعم لمسار التحاور الذي يفضي بالنهاية الى الإتفاق أو التفهم أو حتى القبول بالاختلاف.