"واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم"..النحل58
تولد مكبلة بقيد اسمه "انثى" وكأن انوثتها ذنب عظيم تحمله بغير ذنب..تبدأ رحلتها مع الحياة طفلة وديعة بالنسبة لها الحياة دمية كبيرة لاتمل اللعب منها،تفتح ذراعيها لاستقبال الفرح،السلام،الحب، لكنها تجابه بكم هائل من القيود والمحظورات لتحجيمها وجعلها اقل شأنا، تبرمج على السكوت ،وعدم الاعتراض ،يقوم اخوها بكلما تحلو له نفسه ويقول مايشاء فيجد المباركة دائما،بينما هي تنظر وتراقب،تؤخذ القرارات نيابة عنها،لأنها لاتعرف صالحها،في حين ان هناك نساءً يمتلكن عقولا ابهرت العالم فالمرأة بما حباها الله من صبر وتصميم وتشبث بالحياة جعلها قادرة على القيادة ،والادارة،والخلق والابداع واستثمار الفرص المتاحة وغير المتاحة لتثبت وجودها بجدارة،وتبرهن على كينونتها بالرغم من كل شيء،والتاريخ حافل بنساء فاعلات انرن وجه الحياة وتركن اثرا بارزا خالدا على مر السنين..
لكن للأسف الشديد تسعى المجتمعات "الذكورية"الى اقصاء وتهميش بل وإلغاء دور المرأة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا،فتجابه المرأة بسبب آرائها ويعاب عليها الادلاء بأي امر يخصها ويخص حياتها ،ولايسمح لها في بعض الاحيان حتى بالتعبيرعما يدور في خلجات نفسهاويعتبر ذلك عيبا وخروجا عن المالوف،والتعبير اللغوي هو الذي تعتمد عليه حرية الفكر وبالتالي يكون الاختيار هو المحصل النهائي لتلك الحرية التي تعتمد عليها فيما بعد حياة المراة،تلك الحرية الفكرية التي يعتبرها الرجل قيدا حقيقيا لحريته ،وهنا تكمن مشكلة ادم الحقيقية،فاذا ماتعلمت المرأة وتنورت ووصلت الى مستوى من الثقافة يؤهلها لادارة شؤون حياتها باستقلالية شبه تامة اصبح ذلك القيد الحقيقي الذي يهدد سيطرته عليها باعتبارها شيئا تابعا له وتلك التبعية تعطيه مساحة اكبر للسيطرة،فتراه تثور ثائرته اذاماطالبت بشيء يسير من حقوقها بصفتها انسانة ويعده تعديا سافرا على حقوقه التي يسعى بكل قوته لبسطها من خلال الاتيان بامثال عفى عليها الزمان او أنصاف آيات او السعي لنيل المزيد من الحريات التي تزيد من حريته فيما تكبل المراة بمزيدا من القيود-والموضوع طبعا نسبي وليس مطلقا - .
ان حرية الفكر هي الاساس الذي تقوم عليه الحياة وتزدهر وهذا ماتسعى اليه حواء بكل قوتها فيما يسعى ادم لوضع المزيد من القيود والعراقيل المرئية وغير المرئية لتقييدها وتحديدها،السؤال هنا لما تسعى حواء بكل قوتها لدفع ادم الى الامام فيما يسعى هو بكل قوته لارجاعها الى الوراء!
لقد عانت المرأة بصورة عامة والعربية بصورة خاصة عبر الحقب التاريخية المختلفة بكم هائل من القيود التي تسعى الى تحجيمها واذلالها وجعلها سلعة تباع وتشترى،تسبى وتؤخذ كغنيمة لتعرض في سوق الرقيق،يراهن عليها ،تخطف وتغتصب،بل ان كرامة الرجل والاسرة بكاملها تعتمد على المرأة ،فاذا اراد اي ضعيف نفس النيل من خصمه فانه يذكر اهل بيته بسوء وبألفاظ نابية تدل على اخلاقه المتدنية..
للاسف الشديد ومع تقدم الحياة وتلك الخطوات الواسعة التي وصلت اليها في زمن العولمة ،بقيت الكثيرات من النساء يعانين تسلط المجتمعات الذكورية بكل اصنافها ،فمازالت تخضع لقوانين القبيلة - حتى وان كانت متعلمة -، ومازالت تجبر على الزواج دون موافقتها،ومازالت تخشى اتخاذ اي قرار مصيري،ومازالت تُزوج قسرا من اقاربها،ومازالت توهب مقابل زوجة اخرى"كصة بكصة" ،ومازالت تخضع"للنهوة"،ومازالت تجرع كاسات من المر وتفضل السكوت على الطلاق الذي احله الله لها تحت بند "العيب"،ومازالت تستخدم كمادة للتعنيف بلا اي رادع ،فاي قيد ذلك الذي تحمله الانثى وبلارحمة..
لقد خلقها الله وابدع في خلقها،وهبها الجمال، الحنان، الانوثة، الامومة،التضحية،العطاء،شمس بثوب امرأة،تلك هي حواء اصل الحياة،كرمها الله بقرانه"لهن مثل الذي عليهن"..البقرة228 واثنى عليها الرسول ،لكنها بقيت تعاني قيود الموروث الاجتماعي الذي تمتد جذوره الى حقب اكل عليها الزمان وشرب،قال رسولنا الكريم"اتقوا الله في النساء"..