مشرقات / خاص :
خصّ الأستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف موقع مشرقات بهذا المقال القيّم
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس
ـ جامعة الموصل
قد يعجب البعض حين يعرف ان المؤرخين الموصليين القدامى تميزوا في كتاباتهم وإختيار موضوعاتهم . ولم يكونوا كغيرهم من المؤرخين ؛ فهم يحرصون على ان يقدموا جديدا ، واصيلا ، ومبتكرا .
واليوم اريد ان اتحدث لكم عن مؤرخ موصلي عاش في القرن التاسع عشر هو المؤرخ الكبير العلامة المؤرخ ياسين بن خير الله الخطيب العمري الذي ألفّ كتبا عديدة منها كتابه ( منية الادباء في تاريخ الموصل الحدباء) . واليوم اريد ان اتحدث عن كتاب فريد له أرخ فيه للنساء بعنوان ( الروضة الفيحاء في تواريخ النساء ) .والكتاب ظل حتى سنة 1966 مخطوطا لكن المرحوم الاستاذ رجاء محمود السامرائي حققه واصدره في 366 صفحة وطبع في دار الجمهورية ببغداد سنة 1966 .
وبعد سنوات وجدت ان الكتاب قد حقق ثانية تحقيقا علميا ونشر في بيروت سنة 2000 . ومن حققه هو الاستاذ حسام رياض عبد الحكيم ونشرته مؤسسة الكتب الثقافية .
مؤلف الكتاب العلامة ياسين بن خير الله الخطيب العمري من ابرز المؤرخين الموصليين الذين عاشوا في عهد حكم الاسرة الجليلية للموصل بين سنتي 1726-1834 ؛ ففي عهدهم ازدهرت الثقافة والادب وكانوا يجزلون العطاء للشعراء والادباء والمؤرخين ويشجعونهم على التأليف والابداع . وكان لياسين العمري أخ كبير هو المؤرخ محمد امين وله كتب كثيرة ابرزها كتابه (منهل الاولياء ومشرب الاصفياء في سادات الموصل الحدباء ) .
وياسين العمري من مواليد 1745 توفي سنة 1817 ميلادية . وقال عنه أخوه أن له (أدب ومعرفة بالنظم ، ويد طولى في نظم التواريخ وله اطلاع على عدة فوائد من علوم شتى بالمطالعة والمذاكرة والاستماع ... وله خبرة في فن الطب ألفّ فيه كتابا " .
ومن الكتب التي ألفها ياسين العمري كتاب (الآثار الجلية في الحوادث الارضية ) ، وكتاب (لدر المكنون في مآثر الماضية من القرون ) ، وكتاب ( السيف المهند فيمن اسمه احمد ) ، وكتاب ( الدر المنتثر في تراجم فضلاء القرن الثالث عشر ) ، وكتاب (غرائب الاثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر ) ، وكتاب ( غاية المرام في تاريخ محاسن بغداد دار السلام )
والكتاب الذي احدثكم عنه اليوم كتاب فريد في تاريخ النساء استمد مادته من كتب التفسير ، والحديث ، والتراجم ، وعنوان الكتاب هو ( الروضة الفيحاء في تواريخ النساء ). وهذا الكتاب يتناول فيه عبر ثلاثة مقالات تواريخ من يسميهم (النساء الصالحات ) ، و( النساء الطالحات ) و( النساء الذكيات ) .وهو يشيد بدور المرأة واسهاماتها في بناء الحضارات . وقد رتب كتابه كما قلت في مقدمة ومقالتين وخاتمة .
ومما قاله في مقدمة الكتاب : " وجعلت المقدمة في فوائد لا يُستغنى عنها ، ولابد للمرء منها . والمقالة الاولى في ذكر النساء الصالحات . والمقالة الثانية في ذكر النساء الطالحات . والخاتمة في ذكر اذكياء النساء .
وكان الكتاب قبل ان يُحقق مخطوطا توجد منه عدة نسخ منها في مكتبة المتحف العراقي ببغداد ، ومنها في مكتبة الآباء الكرمليين ومنها في مكتبة الاوقاف ببغداد .
وفي الحقيقة اننا نجد في ما قدمه مؤرخنا الموصلي شيئا جديدا في القرن التاسع عشر ؛ فلدينا كتب كثيرة تتحدث عن سير الرجال ، لكن قلة منهم من تناول النساء مع أهمية دورهن ، ويذكرنا هذا الكتاب بما فعله المؤرخ المعاصر الاستاذ عمر رضا كحالة الذي اصدر في القرن العشرين كتابه ( أعلام النساء في عالمي العرب والاسلام ) في خمس مجلدات .
اعود الى الكتاب ، فأقول ان ياسين العمري ذكر موقع المرأة في المجتمع ، ورأي الاسلام في المرأة وقدم سلسلة طويلة من الآيات القرانية والاحاديث النبوية التي تؤكد مكانة المرأة في المجتمع . ومن ذلك قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) ، وكذلك في مسألة خضراء الدمن والابتعاد عن خطبتها وعندما سألوا الرسول الكريم قال ( خضراء الدمن المرأة الجميلة في المنبت السوء) ، وذكر المؤلف ان البخل يستحب في المرأة ، وان كان مذموما لئلا تُبذر اموال زوجها وتأكيد الرسول الكريم على وجوب معاملة المرأة معاملة جيدة ( إستوصوا بالنساء خيرا ) .
من النساء اللواتي ذكرهم المؤلف واسماهم ( النساء الصالحات ) حواء أُم البشر ، وسارة بنت هارون ، وهاجر زوجة ابراهيم ابو الانبياء ، وآسيا وزليخا ومريم وسارة زوجة داؤد وامنة بنت وهب ام الرسول الكريم وام ايمن بركة الحبشية وثويبة الاسلمية مولاة ابي لهب وحليمة السعدية مرضعة الرسول وعاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي وزبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسي واسماء بنت خمارويه بن احمد بن طولون وقبيحة جارية الخليفة المتوكل على الله جعفر وشغب جارية الخليفة المعتضد بالله وجميلة بنت ناصر الدولة الحسن بن عبد الله وزمرد بنت جاولي صاحب مدينة الموصل وضيفة بنت الملك العادل ابي بكر ايوب .
ومن النساء اللواتي عدهن المؤلف طالحات الزهرة ملكة فارس ، ودلوكة بنت الزباء (زنوبية ) ، وعفيرة بنت عباد والنظيرة بنت الساطرون ملكة الحضر ، واسودة الكاهنة وزينب بنت الحارث اليهودية وسُجاح بنت الحارث التميمية وحبابة جارية يزيد بن عبد الملك ، وأم جنكيزخان وتركان خاتون من قبيلة بيارون وسلطان بخت بنت تيمورلنك .
وفي ما يتعلق بالنساء اللواتي اعتبرهن المؤلف ذكيات فقد روى قصصا من التراث يُستشف منها الذكيات من قبيل ان صاحب كتاب النزهة اشار الى تلك المرأة التي وقفت على قيس بن سعد بن عبادة وقالت له :" اشكو اليك قلة النيران فقال لخدامه إملأوا لها دارها لحما وسمنا ورزا وخبزا " .
انتهى المؤلف من تأليف كتابه هذا عن تاريخ النساء سنة 1204 هجرية اي سنة 1790 ميلادية. واختم قولي عن هذا الكتاب انه كان صريحا وجريئا في ذكر ما يتعلق بالنساء ، ولم يكن يتورع في كتابه اخبار النساء وما كن يواجهنه من مواقف تتطلب منهن اجوبة في غاية الصراحة حتى انه كان يروي قصصا من قبيل القصص الجنسية جريا على ما يقوله الناس :" لاحياء في الدين" .
رحم الله العلامة مؤرخ الموصل الكبير ياسين بن الخطيب العمري بن خير الله الخطيب العمري وغفر له .