مشرقات / خاص :
خصّ الأستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف موقع مشرقات بهذا المقال القيّم
أ.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس ـ جامعة الموصل
منذ مدة طويلة ، وانا اتتبع الكتب والمخطوطات التي تتناول (تواريخ النساء واخبارهن وتراثهن ومواقف الرجال منهن ) . ومن الكتب التي ارخت للنساء كتاب بعنوان ( الحدائق الغناء في أخبار النساء ) ، وكان مخطوطا لكنه حقق ومؤلفه ابو الحسن علي بن محمد المعافري المالقي كتبه بخط يده في دمشق اواخر القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي ، وضمنه اخبارا عن عدد من شهيرات النساء في صدر الاسلام
وقد تحدثت عن الكتاب الدكتورة عائدة الطيبي في مجلة (العربي ) الكويتية عدد يونيو - حزيران 1981 وهي من حققته وقدمت له ونشرته من خلال (الدار العربية للكتاب -ليبيا - تونس 1978 .
وتقول ان عدد النساء المذكورات في الكتاب تسعا وعشرين امرأة ثلاث منهن عابدات ، وثلاث شاعرات ، وخمس عشرة إمرأة لهن صلة برجال مشهورين وثمان منهن جوار مغنيات . ومما نستنتج من الكتاب ان المرأة في صدر الاسلام - كأختها قبل الاسلام - كانت فخورة معتدة بنفسها وقبيلتها .
وممن كتب عنهم المؤلف ، ليلى الاخيلية ، وعائشة بنت طلحة عبيد الله وسكينة بنت الحسين ونائلة بنت الفرافصة وعاتكة بنت يزيد زوجة عبد الملك بن مروان الشامية ام الدرداء وام سنان بنت خيثمة وعزة (كثير ) وعفراء(عروة ) وبثينة (جميل ) ولبنى (قيس) .
وهناك ملاحظة لابد ان اذكرها ، وهي ان من ارخ للنساء كان صريحا وكان يتناول موضوع العلاقة بين الجنسين بكل جرأة وصراحة واتزان فلا غلو في الاحتشام ولا ابتذال . وكانت المرأة تتمتع بالحرية والجرأة والمرأة تعتد بجمالها ويبدو ايضا ان الجزء الاكبر مما قيل عن المرأة في العصور المتأخرة لم يكن عن الحرائر من النساء بل عن الجواري وحتى الجواري والمغنيات في كتب التراجم المبكرة كن عضوات محترمات يؤدين خدمة لها اهميتها في المجتمع .
وهناك كتاب مهم للامام أبو الفرج بن الجوزي بعنوان ( اخبار النساء ) وهو كتاب ثري وماتع ويحتوي على كثير من القصص ويحتوي على عدد من الأبواب.ومحوره يدور حول الطبيعة الخَلْقية والخُلقية للنساء مدعماً بدلائل ووقائع فضلا عن مجموعة كبيرة من القصص والطرائف ومن اهدافه اطلاع الرجال على اخبار النساء لمعرفة طبائعهن التي جبلهم الله عليها، والإلمام بكافة أمورهن، ليحدد طريقة التعامل معهن.
وقبل ايام كتبت عن واحد من هذه الكتب وهو لمؤرخ موصلي كبير عاش في القرن التاسع عشر وهو ياسين العمري وعنوان الكتاب ( الروضة الفيحاء في تواريخ النساء ) .والكتاب ظل حتى سنة 1966 مخطوطا لكن المرحوم الاستاذ رجاء محمود السامرائي حققه واصدره في 366 صفحة وطبع في دار الجمهورية ببغداد سنة 1966 .وبعد سنوات وجدت ان الكتاب قد حقق ثانية تحقيقا علميا ونشر في بيروت سنة 2000 . ومن حققه هو الاستاذ حسام رياض عبد الحكيم ونشرته مؤسسة الكتب الثقافية .والكتاب هذا كتاب فريد في تاريخ النساء استمد مادته من كتب التفسير ، والحديث ، والتراجم ، وعنوان الكتاب هو ( الروضة الفيحاء في تواريخ النساء ). وهذا الكتاب يتناول فيه عبر ثلاثة مقالات تواريخ من يسميهم (النساء الصالحات ) ، و( النساء الطالحات ) و( النساء الذكيات ) .وهو يشيد بدور المرأة واسهاماتها في بناء الحضارات . وقد رتب كتابه كما قلت في مقدمة ومقالتين وخاتمة .ومما قاله في مقدمة الكتاب : " وجعلت المقدمة في فوائد لا يُستغنى عنها ، ولابد للمرء منها . والمقالة الاولى في ذكر النساء الصالحات . والمقالة الثانية في ذكر النساء الطالحات . والخاتمة في ذكر اذكياء النساء .
وكان الكتاب قبل ان يُحقق مخطوطا توجد منه عدة نسخ منها في مكتبة المتحف العراقي ببغداد ، ومنها في مكتبة الآباء الكرمليين ومنها في مكتبة الاوقاف ببغداد .
وفي الحقيقة اننا نجد في ما قدمه مؤرخنا الموصلي شيئا جديدا في القرن التاسع عشر ؛ فلدينا كتبا كثيرة تتحدث عن سير الرجال ، لكن قلة منهم من تناول النساء مع أهمية دورهن ، ويذكرنا هذا الكتاب بما فعله المؤرخ المعاصر الاستاذ عمر رضا كحالة الذي اصدر في القرن العشرين كتابه ( أعلام النساء في عالمي العرب والاسلام ) في خمس مجلدات .
اعود الى الكتاب ، فأقول ان ياسين العمري ذكر موقع المرأة في المجتمع ، ورأي الاسلام في المرأة وقدم سلسلة طويلة من الايات القرانية والاحاديث النبوية التي تؤكد مكانة المرأة في المجتمع . ومن ذلك قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) ، وكذلك في مسألة خضراء الدمن والابتعاد عن خطبتها وعندما سألوا الرسول الكريم قال ( خضراء الدمن المرأة الجميلة في المنبت السوء) ، وذكر المؤلف ان البخل يستحب في المرأة ، وان كان مذموما لئلا تُبذر اموال زوجها وتأكيد الرسول الكريم على وجوب معاملة المرأة معاملة جيدة ( إستوصوا بالنساء خيرا ) .
ومن النساء اللواتي ذكرهم المؤلف واسماهم ( النساء الصالحات ) حواء أُم البشر ، وسارة بنت هارون ، وهاجر زوجة ابراهيم ابو الانبياء ، واسيا وزليخا ومريم وسارة زوجة داؤد وامنة بنت وهب ام الرسول الكريم وام ايمن بركة الحبشية وثويبة الاسلمية مولاة ابي لهب وحليمة السعدية مرضعة الرسول وعاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي وزبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسي واسماء بنت خمارويه بن احمد بن طولون وقبيحة جارية الخليفة المتوكل على الله جعفر وشغب جارية الخليفة المعتضد بالله وجميلة بنت ناصر الدولة الحسن بن عبد الله وزمرد بنت جاولي صاحب مدينة الموصل وضيفة بنت الملك العادل ابي بكر ايوب .
ومن النساء اللواتي عدهن المؤلف طالحات الزهرة ملكة فارس ، ودلوكة بنت الزباء (زنوبية ) ، وعفيرة بنت عباد والنظيرة بنت الساطرون ملكة الحضر ، واسودة الكاهنة وزينب بنت الحارث اليهودية وسُجاح بنت الحارث التميمية وحبابة جارية يزيد بن عبد الملك ، وام جنكيزخان وتركان خاتون من قبيلة بيارون وسلطان بخت بنت تيمورلنك .
وفيما يتعلق بالنساء اللواتي اعتبرهن المؤلف ذكيات فقد روى قصصا من التراث يُستشف منها الذكيات من قبيل ان صاحب كتاب النزهة اشار الى تلك المرأة التي وقفت على قيس بن سعد بن عبادة وقالت له :" اشكو اليك قلة النيران فقال لخدامه إملأوا لها دارها لحما وسمنا ورزا وخبزا " .
انتهى المؤلف من تأليف كتابه هذا عن تاريخ النساء سنة 1204 هجرية اي سنة 1790 ميلادية. واختم قولي عن هذا الكتاب انه كان صريحا وجريئا في ذكر ما يتعلق بالنساء ، ولم يكن يتورع في كتابه اخبار النساء وما كن يواجهنه من مواقف تتطلب منهن اجوبة في غاية الصراحة حتى انه كان يروي قصصا من قبيل القصص الجنسية جريا على ما يقوله الناس :" لاحياء في الدين" .
كان للمرأة في مجتمعنا العربي والاسلامي مكانة كبيرة ، وفي كتب التراث الكثير من الاخبار بحيث قل ان نجد كتابا الا وفيه حصة للمرأة .. وهناك كتاب ( المستطرف في كل فن مستظرف ) يتناول كل ما قيل عن النساء من طرائف ونوادر وقصص وقد نشر الاستاذ ابراهيم شمس الدين كتاب ( اخبار النساء ونوادرهن في كتاب الاغاني ) لابي الفرج الاصفهاني وكتاب ( نوادر النساء ) وفي المستطرف معلومات جمة عن نوادر النساء في التراث العربي مستمدة من مصادر اساسية من قبيل (يتيمة الدهر ) للثعالبي .
موضوع (اخبار النساء ) وتواريخهن موضوع مهم ، لانه يقدم درسا لمن أراد ويريد إبعاد المرأة عن ممارسة حياتها كما يجب في المجتمع . واذا ماعدنا الى موقف الاسلام الحقيقي من المرأة نجد ان المرأة تتمتع بمكانة سامية ومحترمة ،وانها شاركت الرجل في كل جوانب الحياة طبيبة وكاتبة ومحدثة وشاعرة ومربية ومقاتلة . وان ما لحق بوضعها من تدهور ونكوص لايعود الى الاسلام بل الى فترات التدهور والتخلف والانكسار الذي مرت به الامة بعد تسلط الاجنبي على بعض اجزاءها ومقدراتها
والواجب اليوم وفي ضوء الانتفاضة التشرينية في العراق - حيث للمرأة دور كبير - الواجب يحتم علينا تعزيز دورها وتقويته .