صفية الدبوني ومجموعتها القصصية: مسألة شرف* / أ.د. إبراهيم خليل العلاف
صفية الدبوني ومجموعتها القصصية: مسألة شرف* / أ.د. إبراهيم خليل العلاف
19 Apr
19Apr
مجلة سماء الأمير ـ خاص:
أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
ذكرتني بها الأخت الكاتبة والروائية الكبيرة الأستاذة إنعام كجه جي، وقالت لا تنسَ القاصة الموصلية الأستاذة صفية الدبوني، فقلت لها وأنا اتحدث عن المشهد الثقافي الموصلي في الخمسينيات ثم في الستينيات ثم في السبعينيات من القرن الماضي القرن العشرين، وكيف أنساها، وقد كانت لها كتابات في الستينيات اثارت جدلاً.
وأتذكر أن شيخنا الأستاذ الدكتور عمر الطالب كتب عنها في (موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين)، وكتب عن مجموعتها القصصية التي طبعتها في القاهرة سنة 1967 بعنوان (مسألة شرف)، وتضم ست قصص، وأعرف أن الأستاذة صفية الدبوني صديقة للأستاذة إنعام كجه جي، وكثيراً ما التقتها وهي من أرسلت لي صورة جميلة لها نشرتها في صفحتي الفيسبوكية، وهي أي الاستاذة صفية الدبوني زوجة (طبيب الشعب) المرحوم الدكتور محمود الدبوني، وإن لهما قصراً جميلاً وحديثاً جدا في حي الطيران صار فيما بعد جامعاً وكان آية في العمران وفيه حوض سباحة واسع، والدها رجل دين هو الأستاذ علي خيري الإمام.
الأستاذ الدكتور عمر الطالب قال عنها في موسوعته (موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين) نشرها مركز دراسات الموصل بجامعة الموصل سنة 2008، وتشرفت بأنني كنت خبيرها العلمي وبدون أن يشير الى تاريخ ولادتها: "نشرت مجموعتها القصصية(مسألة شرف) سنة 1967، والنقطة المركزية التي وقفت عندها في قصصها الست التي ضمها الكتاب هي الحب والحياة الزوجية؛ فقصتها (نحو النور) تدور حول ما يسميه (الانسحاق النفسي) الذي تعاني منه زوجة تكشف خيانة زوجها لها في إطار التقاليد البالية، والقهر، والإحباط، والإذلال الذي عانت منه المرأة في إطار علاقات اجتماعية غير سليمة: تسعى (وداد) إلى الطلاق من زوجها بعد أن علمت بخيانة زوجها لها مع امرأة ساقطة، وتبدو وداد متحدية غير مستسلمة، فهي لا ترضخ لإرادة زوجها، وحينما يرفض الطلاق تعتزم خيانته كما خانها في سورة غضب عارم غير أنها تدرك خطأها قبل الإقدام على فعلتها، فتهرب في اللحظة الأخيرة وتلفظ أنفاسها.
يؤكد الناقد الدكتور الطالب، وهو يحلل هذه القصة أن وداداً تعد مثالاً للمرأة التي تحس بمساواتها مع الرجل، لكنها تأنف الزلل حينما يزل زوجها فهي تجسد كرامة المرأة ورفضها للهوان والقهر.
أما قصتها (مسألة شرف) والتي أعطت للمجموعة عنوانها، فتجسد الحب السعيد الذي يجمع بين الزوجين فيكونان أُسرة مثالية تحيا باطمئنان، وثقة حيث تحيا (سلوى) حياة رضية مع زوجها ولا يصيبها العقم باليأس والانطواء، وإنما تسعى إلى إفراغ عواطف الامومة في مساعدة الأطفال الفقراء، يساعدها في ذلك زوجها، وحينما تحاول جارة ماكرة الإيقاع بينها وبين وزوجها تنتصر الثقة على الشك وتعود الجارة الماكرة بخفي حنين وتمضي الحياة السعيدة بين الزوجين.
وعالجت القاصة صفية الدبوني في قصة (زواج مثالي)، حالة إصابة زوج بالجنون أثر موت زوجته، حينما يصاب بلوثة على أثر إصابته بمرض في المخ فيتصور أنه أهمل زوجته وأنه السبب في شقائها وموتها في الوقت الذي كان الآخرون يرونهما مثالاً للزواج الناجح.
وعالجت قصتها (أقوى من الحب) الحب من طرف واحد وهو حب رومانتيكي فاقع لا تجد فيه أصالة الحب الحقيقي من امتزاج الذات بالموضوع، وإنما يبدو قدراً مقدار يصيب المرأة فيعميها دون قدرة منها في الدفاع عن نفسها تجاه هذه الحالة المرهقة وكأنها تنتظر ضربة القدر لها منذ بدأت تتفتح للحياة، وقد أعطت كاتبة القصة في الموصل أسوة بكاتبات القصة في الوطن العربي روحاً جديدة، متحدية ظلم المجتمع للمرأة، فوقفت موقف الشكوى من الواقع من الاعتدال إلى التطرف الخيالي والعاطفي خاصة في موضوع الحب، فقد كان المجتمع ينظر إلى الحب نظرة احتقار ومهانة، على أنها عاطفة تقود دائماً إلى الاثم والخطيئة وكان الحب محرماً على المرأة، وإذا أحبت قبرت حبها في قلبها خشية من احتقار المجتمع لها.
وفي قصتها (غنية عن حق)، تتحدث عن تحول امرأة من حياة تافهة إلى حياة جادة بعد قيام الثورة في 14 تموز 1959، وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق، وهي قصة مفتعلة.
وقصة (نبأ في جريدة) لا تختلف عن أية قصة مصرية عاطفية ليوسف السباعي كانت تنشرها مجلة (مسامرات الحبيب) في الأربعينيات فتاة تحب رجلاً تتمنى الارتماء في أحضانه، بينما يحتضن هو واحدة غيرها، فلا تجد عندئذ أفضل من احتضان أمواج النهر لها، وفي الصباح يقرأ نبأ انتحارها في الصحيفة، ويتذكر ما كان يظهر في رسائلها من ميل نحوه ولا نتلمس ذلك في المضمون فقط، وإنما في الأسلوب أيضاً.
أمدّ الله بعمر الأستاذة صفية الدبوني ومتعها بالعافية.
*فصل في كتاب الدكتور إبراهيم خليل العلاف، نساء عراقيات، دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع، الموصل، 2022.