كيف تدخل تلك الازمنة التي وشمت الروح بعطر حضورها الغريب، والمدهش والمستفز؟ وماالذي يدفعك الى خيار صعب كهذا الخيار، الذي يمنحك اضطراباً في غنى عنه؟ سيكون الاضطرار واجباً له طعم الجكليت، ويكون الدخول مفتاحاً لغرض فك اشتباك الايام، وتبديد قسوتها، تلك هنيهة وقت تختصر تاريخاً، وتحدد مسافة الوعي والخلق والتحدي والجمال، عبر هذا ادخل الى تأريخ يوجج الذاكرة، الولد المحمل بالضحكات كان يقف عن باب الجريدة، يتأبط كتبا وكراريس، وينظر الى الافق المحبوس بين ركام الكونكريت كأنه يبحث عن ومضة امل، كانت الحرب تسرق اعمار من نحب فجأة ، حتى غدت ارواحنا تخاف السؤال، وطرق الابواب، ثمة جدران سود تجدها اينما اتجهت، وسط هذا الاعلان المتوحش كان فؤاد العبودي، يتحرك، محاولاً لملمة خطاه، التي كنت اشعرها مرتبكة في مرات عدة، ارتباك مأخوذ بأهات الانين، ونزف الروح، الصحافة سر امانيه بين دربين، والصحافة حارسة وجوده، لهذا كان يتنقل برشاقة راقص باليه بين بوابة واخرى، يملأ البياض بهموم الناس، واحلامهم دون ان يأبه لخوف او لوم او ضجر، اظنه يؤمن بشيء خارج ما نرغب فيه، لم يقل كلمته ليمضي، بل عكس امانيه، تمسك بتلابيب الكلمات واصطحبها اينما اتجه، اتعبته الخطوات اللاهثة، فجلس بهدوء عالم الاثار وصبره، لينبش حطامات ذاكرته، بحثاً عن اشياء تجدد الروح التي كادت ان تجف، جفاف اراضي الكلمات، عنوان للنهاية، لكنه حمل مجرفة حضوره وبدأ ينبش، يشيد، يقيم لنفسه اضرحة من قصائد، تجاوز محنة التحقيق، ليلج امتحان الشعر، صعب جداً ان تعلن نفسك شاعراً في ارض مثل ارض السواد، كلما رأيت الى قصيدة، سألت الروح، الى ماذا عساه يصل؟ الشعرفي ارض ما بين النهرين، خطيئة روح وخطأ انتماء، كم من المخاوف التي تسمى شعراء، اين تراك تكون.. والامكنة مشغولة على دوامها؟ السؤال حيرة عقل، ورغبة روح، تجاوزها فؤاد العبودي حين خط لواعج روحه الاولى، وراح ينظر الى البياض متحسراً، كيف يستطيع اجتياز كل تلك الطرقات، وعبور الجسور والقناطر وتجاوز العثرات، انها مهمة مستحيلة، لكنها تستحق المجازفة، والقبول، يرمي شباكه ثانية، ببطء حكيم وقوة عارف فتجيء قصائده لوعة روح، وخطاب صبر، لاتهمه وظائف الوجود، ويسقط مغشياً عليه ، حين يلاعب الحرف حلم القصيدة، اعرف ان الشعر خلاص لرجل مثل فؤاد العبودي ولكن اي خلاص، والدرابين النفس ضاجة بالاحلام والجنون، برغم الهدوء الذي يعيشه العبودي ، لكنه مرجل نار واجة بالامل، لا يخاف انكسار، ولا يأبه لقول يحاول الاقلال من اهمية وجوده الشعري، مثل وردة يقف مبتسماً، يهمس للنفس الامارة بالشعر، ماذا لو كان ردي بقصيدة قلب، بكلم طيب، يدفع الى الحياة، تلك هي مهمة الحكيم، المجرب، الذي اعطى الدنيا جمالاً دون ان يأخذ منها شيئا، دون شعر اي شكل تكون الدنيا، ؟ لهذا مهمة الشاعر صعبة، ومهمة الشعر جنون، يلتقط فؤاد العبودي ، حمايم ارتياحه، يسرب شاياً في مقهى الاسطورة، متاملاً الخطوات الثقيلة التي تجتاز شارع الرشيد صوب ازمنة مجهولة، يظل يبصر مبتسماً، وعند لحظة جنون يقرر الولوج داخل ضجيج زمان عاشه.. يجر خطاه مجتازاً اعمدة شارع الرشيد، صوب اول بوابة صحيفة يومية تصادفه، ليقدم قصيدته الجديدة التي تتحدث عن الضجر.