أ.د. إبراهيم العلاف ستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
مجلة سماء الأمير ـ خاص:
منذ أن كتبت كتابي (تاريخ العراق الثقافي المعاصر ) الذي صدر عن دار بن الاثير للطباعة والنشر التابعة لجامعة الموصل سنة 2009 وانا اريد ان اكتب عن الكاتبة والقاصة والروائية والصحفية الدكتورة سالمة صالح . والسبب انها كانت واحدة من الذين شاركوا في إصدار (قصص 69) التي صدرت في الموصل في آذار 1969 وكان عنوان قصتها (بنك الزمن) . وقد كتبت عنها فقلت :"ان سالمة صالح طالبة في كلية الحقوق - جامعة بغداد وعملت في الصحافة وضمت المجموعة واحدة من قصصها واصدرت بعد ذلك مجموعتين قصصيتين هما (لأنك إنسان) و(في ركب الحياة).
مرة ارسل لي الكاتب الصحفي الصديق الاستاذ لؤي الزهيري رسالة قال لي فيها: "أستاذنا الكريم وددت أن أُذكركم بالأديبة القاصة سالمة صالح اعتقد هي موصلية كان لي لقاء معها في بغداد عام ١٩٦٩ حين أقامت اول معرض من نوعه من مادة الشعر في قاعة جمعية الحقوقيين، ونشر اللقاء في ملحق جريدة: (كل شيء) آنذاك العدد الصادر يوم 30-6-1969 لحفظه بأرشيفكم الأدبي مجددا. تحياتي واعتزازي".
وأجبته وكيف أنسى القاصة والكاتبة والروائية والمترجمة الموصلية العالمية الدكتورة سالمة صالح، وانا اتابع نشاطاتها واقرأ عن كتبها وعن حصولها على شهادة الدكتوراه من جامعة لايبزك في برلين سنة 1986 وكانت بعنوان (إتجاهات عالمية في تطور وسائل الاعلام).
وهي منذ ذلك التاريخ مقيمة في برلين. وهي زوجة الشاعر والكاتب الاستاذ فاضل العزاوي. وقلت له انها كانت عضوة في لجنة منح جائزة كتارا الادبية. وإن كثيرا من كتاباتها ونصوصها ترجمت الى العديد من لغات العالم منها الانكليزية والالمانية والاسبانية والفارسية والمايالامي الهندية وإن الصحفية الاستاذة عبير حميد مناجد أجرت حوارا معها، وانا قرأت عدة حوارات معها مع انها لا تحب المقابلات الشخصية كثيرا وتعدها نوعا من العلاقات العامة.
أعود لأقول ان سالمة صالح من مواليد مدينة الموصل سنة 1942، وانها اتمت دراستها الثانوية في الموصل سافرت الى بغداد ودخلت كلية الحقوق - جامعة بغداد وعملت بين سنتي 1961-1977 في الصحافة وكانت مسؤولة صفحات المرأة في مجلة العائلة العراقية الاولى ( الف باء ) وكان لها دورها في تطوير هذه الصفحات بإتجاه الاهتمام بالوضع الاجتماعي والانساني للمرأة.
وقد اضطرتها الظروف السياسية - كما قالت - الى مغادرة العراق والهجرة الى المانيا سنة 1978 ودرست في جامعة لايبزك وحصلت على الدكتوراه كما سبق ان قلت.
من رواياتها المنشورة (النهوض) طبعت لأول مرة في بيروت سنة 1974 وطبعت ثانية في دمشق سنة 1999. ولها مجموعة قصصية بعنوان ( الخندق ) تضم قصصا مهمة ترجمت الى لغات حية منها قصة بعنوان (ليلة الاحد ) وقصة بعنوان (هؤلاء الابناء) تتحدث عن شبان عرب مهاجرين الى برلين.
ولها مجهودات في الترجمة فقد ترجمت روايتين لكريستا فولف ورواية لماركوس فيرنر وكتاب بعنوان (المرأة والعولمة) لكريستا فيشتريش وهو يتحدث عن استغلال نساء العالم الثالث من قبل الدول الصناعية.
وفي برلين أسست جمعية لترويج ادب المرأة العربية في المانيا سنة 1995، لكنها بعد عشر سنوات تخلت عنها؛ لأنها تحتاج الى تمويل. وغالبا ما تعكس كتاباتها الجانب الانساني المرتبط بالأوضاع السياسية.
وعندما أُصيبت بالسرطان، وشعرت به صبرت وتجلدت وألفت كتابها (عام السرطان) وفيه تروي قصتها مع هذا المرض اللعين.
تقول مع انها تؤمن بدور الادب والاعلام والثقافة في خلق الوعي، إلاّ انها تشعر بالخيبة لأنها ادركت ان الثقافة لم تحدث التغيير المطلوب في بلدها العراق .. وتقول لو كان الشعب حرا، والوعي عميقا، والحرية الحقيقية متاحة، لما استطاع الأمريكان احتلال بلدها سنة 2003.
كتب عنها استاذنا وشيخنا المرحوم الاستاذ الدكتور عمر محمد الطالب في (موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين) 2008 وقال ان سالمة صالح اصدرت ثلاث مجموعات قصصية هي: (لأنك انسان) 1961، و(في ركب الحياة) 1963، و(التحولات) 1975، واهتمت بعرض المشكلات الاجتماعية بتناول عاطفي. ويعتبر الدكتور الطالب ان مجموعتها (التحولات) قفزة نوعية من حيث الشكل والمضمون بالنسبة لمجموعتيها السابقتين، ولاتخلو قصصها من نماذج للمرأة القاسية التي تفرضها طبيعة المجتمع الموصلي وخاصة قسوة زوجة الاب .. كما وقفت موقفا صارما من تقاليد الغرب الوافدة ومنها الاهتمام بالمظهر اكثر من الاهتمام بالعقل والعمل وجسدت ايضا تضحية المرأة في سبيل اسعاد من حولها . درست الدكتورة سالمة صالح الرسم في معهد الفنون الجميلة في بغداد سنة 1967 والموسيقى سنة 1969 في نفس المعهد. وعندما اجرى الصحفي الصديق الاستاذ لؤي الزهيري حوارا أشرت اليه آنفا، قالت انها لا تميل ان تصنف الى أي مدرسة او اتجاه في الرسم وان مادة (الشعر) التي استخدمتها في الرسم وجدت فيها خصائص غير موجودة في الزيت او الحبر، وان لوحاتها المعروضة كانت تحمل عناوين طريفة من قبيل (حين لا يرانا احد) و(اربعة وجوه) و(زهور بيت العناكب) و(كانت لنا دار) وفيها تعرض مأساة اللاجئين الفلسطينيين الذين أُغتصبت ارضهم . كما تحدثت في اللقاء عن كتابتها للقصة، وعن عملها في الصحافة قالت ان تجربتها الاولى كانت في مجلة اسمها (القنديل ) ، لكن تاريخها الصحفي كان مع مولد مجلة ( الف باء ). واضافت ان الرسم والادب قصة كان أو شعرا او موسيقى كلها محاولات للتعبير عن تأزمنا : تأزم الانسان.
العمر المديد للأخت الدكتورة سالمة صالح وتمنياتي لها بالتألق الدائم والبهاء.
*ابراهيم خليل العلاف ، نساء عراقيات ، دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع ، الموصل ، 2022 ،الصفحات 42-44