25 Feb
25Feb

مجلة سماء الأمير العدد السابع نيسان 2023

(عن امرأة صادفتها في احدى قرى تركيا تبيع نتاجها اليدوي من المأكولات المجففة على الطريق)

صغيرة كنت غير واعية على الحياة علمت أن أمي ماتت وهي تلدني، تركتني واخوتي الثلاثة دون أن أراها أو احتفظ بصورة لها داخل الوجدان.. مرت الايام بسرعة، والدي تزوج بإمرأة اخرى وشعرت بالمسؤولية تجاه أخوتي الذين لا يكبروني كثيرا.. قرر والدي أن يدخل أخواني المدرسة وانا ارعاهم أي لا فرصة تعليم لي .. لكن هاجس التعلم كان مثل الجمرة في داخلي حتى كنت أذهب أقبّل جدران المدرسة واحاول جاهدة أن اتعلم لوحدي من خلال كتب اخوتي ودفاترهم .في العاشرة من عمري ترجمت عتبي لأمي بقصيدة جميلة أعاتبها كيف تركتني.. وبعدها كتبت قصيدتين عن الشوق لها وهيامي بها.. دخلت معترك الحياة.. انا واخوتي عملنا خدماً في مزرعة أسرة ثرية لثمان سنوات كنت خلالها أمارس واجب الأمومة تجاه أخوتي وانا أصغرهم  ، كبرت وبعدها تسلمني الزوج وانا أعمل وأكسب وجعلني اعمل ضمن طاقم من ثمانين رجلا وامرأة في الطبخ في مجموعة مطاعم بأجر اسبوعي.. كنت أقدس العمل لانه يشعرني أنني انفق على نفسي واولادي الصغار بلا قيود، أدخلتهم المدارس.. وبدأت ادرس بالفعل لانني اريد أن يكون العلم سلاحي وهاجسي بالاضافة الى العمل واكملت الابتدائية والمتوسطة بتفوق ثم ايقنت انني تعلمت ان أقرأ واكتب واطالع، عدت الى تطوير العمل وبقوة وكانت حسرة التعلم قد تبددت من داخلي وعلقت أرجوانا فيها انني تعلمت وبقيت قبلاتي لجدران المدرسة قناديل حب تزينني وتزيدني جمالا الى جمال .. وشعرت انني يجب أن أكون صاحبة عمل لوحدي  واتولى إدارته وتمكني من ذلك يزيدني قوة وثقة وصبراً جميلا لان زوجي كان شديد القسوة علي مثل أيامي التي عشتها حتى ضربه المبرح لي كسر ساقي وترك فيّ مثل عاهة فيها ثم تزوج بأخرى وتركنا الى غير رجعة. بدأت عملي باعداد مربيات ومنتوجات غذائية راقية وقمت بعرضها للبيع في فسحة كبيرة يطل على شارع عام مقابل داري ونجحت وكسبت الكثير الكثير وأمي تلوح لي بالرضا لانها عنوان حياتي ورمز قوتي وشدة إحساني لاولادي: ولدين وبنت واحدة ، اكملوا دراستهم وتزوجوا وها انا اليوم مازلت أطور من اساليب انتاجي في الدار وابيع وأشعر انني حققت خطوة كبيرة في الحياة رغم عدم الدعم من الذين كانوا في موقع القوامة لي في ديننا الحنيف.من قال أنه لا يؤمن بقدرات المرأة وصبرها وجلدها وكرمها وما تحمل من مشاعر إنسانية ورسائل وفاء بدأت من أمي وانتهت بها .كونوا قدوات ومثلا اعلى لمن تحبون وتعتدون بهم تكونون حياة كاملة ووطن .لم أشعر بانكسار لم أذق طعم الفشل .. لم يقنني إهمال والدي عن احتضان أخوتي لأمثل دور الأم معهم بجدارة .. ولم يحبطني زوجي تجاه أمومتي مع أولادي لان أمي بحبها وحنانها الذي تخيلته كانت انواراً ترشدني الى حياة سامية لا تعرف العجز أو الاستسلام .. خلقني ربي سبحانه قوية ولا تضعفني الظروف هي مثل ريح تمر في أيام الشتاء ولا تأخذ شيئا عدا الشعور ببرودة وقتية تتلاشي بانتهاء أسبابه..عنواني .. أمي وهبتني رعايتها وحنانها في داخلي دعما دائما يتجدد مثل نسمة رقيقة كل صباح.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة