العلاقات السامة.. وتأثيراتها السلبية على حياتنا / مريم لطفي
العلاقات السامة.. وتأثيراتها السلبية على حياتنا / مريم لطفي
03 Apr
03Apr
"حفظ المسافة في العلاقات الإنسانية مثل حفظ المسافة بين العربات في اثناء السير، فهي الوقاية الضرورية من المصادمات المهلكة"..مصطفى محمود
*****
تعرف العلاقات السامة على إنها نمط من العلاقات السلبية الضارة المستهلكة والمستنزفة للطاقة، تبنى على اساس الاحتكار والاستغلال بأبشع صورة، فهي تقوم على طرفين الاول مستغِل بشكل مرضي والآخر مستَغل بشكل أكثر مرضاً!
وبما إننا نعيش في مجتمع تتنوع فيه العلاقات وتتشعب وفقاً لنوع العلاقة التي أما أن تكون اجتماعية او علاقة عمل (رئيس ومرؤوس) او علاقة زمالة او علاقة زوجية او اسرية او تعتمد على قرابة او حتى على مصلحة معينة - بحدود المعقول- او أي علاقة عابرة او غير ذلك، هذه العلاقات بمجملها هي التوليفة التي تدار من قبلها عجلة الحياة، فالحياة عبارة عن مجموعة علاقات عامة وخاصة بين الافراد تبنى على اسس ومقومات معينة تبعا لكل فرد ولكل موقف وعلى اساس هذه العلاقات تقوم المجتمعات وتزدهر.
وبما إن لكل انسان شخصيته الخاصة فهو يحدد نوع العلاقة ويحدد موقعه أيضاً من هذه العلاقة، فالعلاقات الصحية تقوم على اساس الاحترام المتبادل ووضع الخطوط السليمة التي تبنى على اساسها الشروط الصحية لتبادل المنفعة، فهي اذن تقوم بين طرفين متكافئين في تقديم الحقوق وأداء الواجبات متساويين في الهدف، فهذه العلاقة تحقق شرط الديمومة والمساواة وتحقيق الهدف، فهي اذن علاقة صحية بامتياز، وهذا النوع من العلاقات نرى ثمارها جلية في العلاقات الزوجية السليمة وفي الأسر الآمنة وبين افرادها، وفي علاقات العمل الناجحة والشراكة المتكافئة وعلاقات الزمالة الصحيحة والعلاقات الطيبة بين الاصدقاء، وحتى العلاقات التي تقوم على اي مصلحة شرط التكافؤ. وبالمقابل هناك علاقات مرضية بامتياز نطلق عليها اسم العلاقات السامة، فماهي العلاقات السامة وكيف نتعامل معها؟
كما ذكرنا فإن العلاقة السامة هي العلاقة التي تقوم على استغلال وامتصاص طاقة الآخر دون مقابل وبلا وجه حق تحت أي ظرف وأي اعتبار!
ويعتبر د.جورج مالكوم "أن السمية في العلاقات تكون في وجود علاقة مع شخص يرمي المفاجآت في وجهك، وعادة ماتكون غير سارة ويدخلك في منحنيات في خططك، ويجعلك في حالة من عدم التوازن، ويثير قلقك من دون سبب واضح، ويتركك تشعر بسوء ازاء نفسك، وهذا النوع من العلاقات يؤدي الى الشعور بالاحباط والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس والقلق". فالعلاقة السامة تدمر الثقة بالنفس اولاً وتجعل الانسان مجرد اداة لتنفيذ الاوامر أياً كانت ، فالامر اذن هو جهة مستفيدة مستغِلة على الدوام وجهة متضررة مستَغلة على الدوام، فالطرف الاول الذي غالبا مايكون مريضا نفسيا وعلى درجة عالية من الانانية التي تجعله لايرى الاّ نفسه او ان يكون سايكوباثياً يمتلك قدرة التلاعب بمقدرات الآخرين وامتصاص طاقاتهم، فهل صادفك شخص ودود يتظاهر بالعاطفة لكن الحقيقة انه يضمر الشر لك؟
هل وجدت نفسك ممن يعطي ويعطي بلا مقابل؟ هل انت ممن يشعرون بالذنب والتقصير، لأنك قصرت بادائك او تلكأت قليلا؟ هل استغلك رئيسك في العمل وسرق جهدك تحت اي مسمى؟ هل اعتدت أن تجامل الآخرين على حساب نفسك خصوصا ان كان هذا الآخر لايستحي؟ هل غلب عليك شعور الخجل وانت تستمع لحماقات الآخرين وتفاهتهم ووقاحتهم وهم يفرضون انفسهم عليك والحاحهم وتجاوزهم على وقت راحتك لا لشيء إلا لأنهم فارغون تماما ويحاولون قضاء وقت الفراغ على حسابك؟ هل تمادى احدهم باستغلال طيبتك لكي تقوم بالكثير دونما اي عرفان بالجميل؟ هل وقعت فريسة الاستغلال من قبل اي احد وبالغ في استغلالك حدا وتمنيت ان توقفه عند حده؟ هل قدمت يد المساعدة لأحد لايستحق ذلك واتخذها واجبا عليك الايفاء به دون اي توقف؟ هل تعرضت للخيانة والكذب المستمر حتى انهار جدار الثقة ؟ هل تصادف في يومك المتطفل والحاقد والهماز واللماز والغث والثرثار الذي يحرق عليك اليوم بثرثرته الفارغة؟
في الحقيقة ان العلاقات المرضية او ماتسمى بالسامة والتي تسمم حياتنا وتنغصها موجودة في كل زمان ومكان، ولايكاد اليوم يخلو منها، فهي موجودة وبكثرة في كل مناحي الحياة بين الازواج، الاصدقاء،المعارف، الجار السئ، في العمل، في الطريق، وهي علاقات تتسم بالسلبية واستنزاف الآخر بأي ثمن وأي طريقة، لكن الادراك المبكر لهذا النوع من العلاقات واخذ القرار المناسب بايقافها هو السبيل الوحيد للحد منها او التخلص منها نهائيا، فعلى الانسان ان يدرك بانه ليس مسيرا لخدمة احد وخصوصا اذا كان المقابل مسيئا ولايجلب سوى الحزن والالم، فحري بهذا الانسان ان ينسف علاقات كهذه لأنها تشوه الحياة.
وتتضمن العلاقات السامة الامور الآتية:
-السعي الى انتزاع ثقة الآخر وتدميرها لاستنزافه وامتصاص طاقته.
- يتسم النمط المسمم للعلاقة بوجود طرف يفرض سيطرته المطلقة بكل وسيلة لانتزاع ادمية الطرف الاخر والسيطرة عليه. - تعتبر الامراض النفسية الفتاكة كالسادية والانانية والسايكوباثية والتي تنبع من شخص يشعر بنقص شديد يحاول تعويضه بضالته عن طريق استغلاله لاشباع ذلك النقص.
- قد ينشأ بعض الافراد في بيئة سامة اصلا مليئة بمشاعر العنف والاذى وقد نقلها افرادها بوعي او دون وعي الى افراد آخرين.
- إن الطرف المستَغل هو الذي اعطى مفاتيح شخصيته للطرف المستغِل واصبحت النمطية السائدة هي علاقة وهمية تخيلية تبنى على خداع النفس اولاً.
- ايهام الطرف السام للطرف المسمم أن حياته تعتمد عليه، ولايمكن له أن يعيش خارج اسواره ليتمكن من السيطرة عليه.
- اغراق الطرف المسمم بمستنقع من الاوهام والآلام والشعور بالاحباط وشل تفكيره عن الحركة ليكون سهل الانقياد.
- جعل الطرف الثاني مسلوب الارادة لايملك حق الاختيار او الادلاء براي ما خصوصا اذا كان يعتمد عليه في حياته .
- الريبة والشك والاتهام المستمر والتحكم بكل صغيرة وكبيرة مقابل الحرية المطلقة للطرف الاول.
- اللوم المستمر والتوبيخ على كل صغيرة وكبيرة مما تجعل الانسان يتخبط بدائرة الفشل والاحباط. هذه الامور وغيرها مما تتسم به العلاقات السامة يجعل استمرارها امرا صعباً للغاية ان لم يكن مستحيلا ، فعلاقة كهذه قد بنيت من الاساس على الخطأ ، لكن السؤال هل تستطيع الاستمرار بحياة كل مافيها ملكا لغيرك؟ على الاقل عليك ان تدرك انك تتعرض للاستغلال وبلا رحمة، فاذاكنت معتزا بهذه العلاقة ايا كان نوعها فعليك ان:
- تغير طريقة تعاملك مع من يحاول استغلالك واملاء ما عليك فعله، وتذكر دائما انك انت من تملك القرار.
- داوها بالتي كانت هي الداء بأن تعكس المعاملة لتشعر المقابل بفداحة مايقوم به.
- وضع الحدود والخطوط الحمراء لعدم اجتيازها خصوصا في علاقات العمل والعلاقات العامة.
- عليك ان تكون حديا في التعامل وان يبنى تعاملك مع الآخرين على اساس التكافؤ. -كن شجاعا باتخاذ القرار الذي سيحسم الجدلية في علاقة وهمية او من طرف واحد.
- قيّم العلاقة على اساس ملائمتها لروحك ونفسك وما تدره عليك من نتائج سليمة او مرضية وخذ قرارك على اساس مايمليه عليك عقلك.
- اذا لم تكن العلاقة تعني لك شيئا اوتستطيع الاستغناء عنها فالابتعاد عنها واخذ قرار ايقافها هو الحل السليم لانهائها.
وأخيرا اقول: لاتجعل نفسك مادة للاستنزاف وتذكر دائما بانك صاحب القرار..