12 Nov
12Nov

إن الرابطة الزوجية هي من أقدس الروابط البشريّة (أو هكذا يجب أن تكون) ومتى لم تعتدل بكفتيها فإن الخلل الذي سيطالها ويطال بالتالي البيت والأسرة والمجتمع والوطن ستكون له نتائج وخيمة وتنص على روح هذا الحق جميع قوانين الأحوال الشخصية السائدة في البلاد العربية و الإسلامية ونصت عليها كذلك بنود معاهدة جنيف رقم 27 القائلة" للأشخاص المحمييّن في جميع الأحوال حق الإحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وتقاليدهم" وبأسف شديد نقول إن الزواج الإجباري لايزال يسود في مجتمعنا وهي ظاهرة غير جديدة ومن المفترض أن تكون قد اختفت أو انتهت أو انقرضت أو على أقل تقدير قلت أو ندرت ولكننا نراها تمضي في سبيلها بل أنها تزداد في بعض المناطق خصوصا الشعبية .. ففي الوقت الذي نطالب فيه بأن تقرر المرأة مصيرها، وأن حياتها لابد أن تكون ملكها وهذا هو الأمر أو الوضع الطبيعي الذي كفله لها الدين والقانون والدستور نرى أنها تعاني تسلط الرجال (الآباء والإخوة وأحيانا الأمهات والأقارب) الذين يفرضون عليها زواجا معينا لمجرد أنهم رأوا ذلك أو قرروه. وليس مهما أخذ  رأي أو موافقة الفتاة مثلما يحثّ الدين على ذلك ويقر الدستور ذلك. وإن كانت أغلب الموافقات في هذه الحالات صورية وغير حقيقية وكاذبة ومن محض اختلاق الأهلومن أكثر ما يؤدي إلى هذا الزواج القسري الزواج المبكر هو عدم وعي المرأة "لعدم السماح لها بالذهاب إلى المدرسة للتعلم والتنوّر بمباديء النور البشري لكي تبقى حبيسة ظلمة تريدها لها فئة متحكمة لا ترحم ولا ترعوي" وعلى الأغلب يكون الزواج في السن ما بين الثامنة والثانية عشرة أي قبل وصول الفتاة إلى سن البلوغ والرشد فيأتي هذا الزواج الإجباري الذي يكون إلزامياً لها مرغماً إياها على القبول تحت تهديدات بالقتل أو الضرب أو التعذيب أو اتهامها بالكفر والخروج عن الطاعة  . وتضطر الفتاة تحت ضغوط هائلة إلى القبول لأنها تفتقر إلى الوعي الذي لا تستطيع من خلاله أن تتخذ القرار المصيري
ومثل هذا الزواج لا يراعي الفوارق ولا مستوى الوعي أو المستوى الثقافي (هذا إذا وجد) وقد عبّرت الكثير من المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية التي تعمل ضمن هذا التوجه عن قلقها من حصول مثل هذه الزواجات والتي تحرم المرأة من أبسط حقوقها علماً أن موضوع الزواج قضية مصيرية وهي ليست لمرحلة أو هي لا تعتبر آنية بل لحياة مشتركة يتم تحملها من الطرفين على السرّاء والضرّاء وهنا يكمن جمال هذه الحياة المشتركة!
أما نتائج مثل هذا الزواج القسري فهي خطيرة جداً وتتعدى حدود إلحاق الأذى بفرد معين بل قد تتجاوزه إلى حدود أوسع وأشمل وقد أكد الباحثون الإجتماعيون والمهتمون بهذه القضية على أن المرأة في مثل هذا الوضع ستكره زوجها وقد تسعى إلى التخلّص منه بالقتل أو تحاول الهرب من ظلمه وبطشه ومتى تحمّلت ذلك بمضض ولم تتصرّف بطيش أو حماقة فإن حالة الإنحصار والضغط الذي ستتعرض له لن يجعلها قادرة على قيامها بواجبها كأم ومربية فهي تعاني من القلق والخوف وعدم الثقة ومن أشياء أخرى نفسية تحول دون قيامها بمهمتها عل أي وجه صحيحة وهنا تكون الطامة الكبرى لأن هذه الأجيال اللاحقة هي التي ستقود المجتمع وتساهم في عملية تطويره!
عندما لا تكون المرأة مستقرة عاطفياً ونفسياً واجتماعياً فإن ذلك سينعكس على استقرار الأسرة بشكل واضح ومباشر وهذا سيحد بالتالي من طاقة المرأة الإبداعية ومن إمكانية مساهمتها الفاعلة في الوسط الذي تعيش فيه، وتعاني الكثير من الفتيات في مثل هذه الزواجات الإجبارية من فوارق في السن ومن عدم الإنسجام وهو لا يؤدي إلى تبادل المشاعر الدافئة والحميمة بين الزوجين وهو ما يجب أن يكون، إن المرأة تصبح عرضة للغبن والحيف والظلم وتنظيم حقوقها وكأننا نعود بها إلى العصور الجاهلية الأولى وهي أمور مزرية وعلى سبيل المثال التغييرات الأخيرة التي أجراها بعض رجال الدين ممن يمارسون العمل السياسي على تمرير قرارات كالقرار رقم 137 ليحل رجال الدين وزعماء العشائر محل المحاكم والقضاة فبما يخص الحقوق الشرعية للمرأة عملا بمبدأ الشريعة الإسلامية ما هو إلا خطوة إلى الوراء ورجعية بكلّ معنى الكلمة وهي تعيدنا إلى المجتمعات الأولى التي لم تكن فيها المرأة كائناً بشرياً بل دابة.وإليكم مضمون المادة 34 من قانون الأحوال الشخصية
الزواج الفاسد
المادة 34
يكون الزواج فاسداً:
1. إذا كان الطرفان أو أحدهما غير حائز على شروط الأهلية حين العقد .
2. إذا كان عقد الزواج بلا شهود .
3. إذا عقد الزواج بالإكراه .
4. إذا كان شهود العقد غير حائزين للأوصاف المطلوبة شرعاً .
5. إذا عقد الزواج على أحد المرأتين الممنوع الجمع بينهما بسبب حرمة النسب أو الرضاع .
6. زواج المتعة ، أو الزواج المؤقت .
والشاعر علي حسين الفيفي نظر الى هذه المشكلة وأجاد في تصوير حالة آلت اليها بنت أكرهت على الزواج من شخص لا ترغب في الزواج منه لتوفر أحد الأسباب التي تقدم ذكرها فيه لكن الشاعر الفيفي لم يبين ذلك الإكراه الذي تطرق له في قصيدته المشار اليها بقدر ما ذكر أنها حالة اجتماعية يعاني منها بعض أسر مجتمعنا والضحية هي تلك الفتاة المكرهة, من تلك القصيدة قوله:
أيها السائل عنها إنها ** أصبحتْ مثل المريض الصائم
وجهها المشرق يبدو غائما ** وبعينيها ظنون الواهم
طالما نامت على أحلامها ** وأمانيها بقلب هائم
ترقص الأحلام في مهجتها ** حين تأوي للفراش الناعم
وقوله:
فاذا ما أشرق الصبح رأتْ ** حلم الأمس كوهم الواهم
ورأت أحلامها مذعورة ** ورأتها بين موج غاشم
وأقام الأهل أفراحا لها ** وهي في حزن وبؤس دائم
وإذا الزوج يرى أحلامه ** وهي في ثوب حداد قاتم
فإلى متى نظلّ ندرك أوجاعنا وعللنا ولا نسعى أو نخلق لدينا الرغبة والنية في تحسين صورة مجتمعاتنا أمام مرآة العالم الناقدة معالجينها كما يجب؟ ولا نحاول تجاوز هذه المصائب والتغلّب عليها لنرقى بمجتمعاتنا إلى مركز يكون لائقاً بها بين الشعوب المتحضّرة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة