لم تفهم لماذا وضعها في تلك الزنزانة القاتمة .. حاولت الاقتراب من النافذة لتفتحها وترى الضوء . عجزت إذ كانت السلاسل ملتفة حول يديها وقدميها . سألته :
ـ لماذا تقيدني؟
ـ لأنك لي .
ـ إفتح النوافذ ، أريد رؤية الضوء وشكل العالم .
ـ العالم رجل .
ـ العالم رحب .. وليس غرفة مظلمة .
أضافت قائلة بندم وحسرة :
ـ أردت دوماً أن اسير وراءك .. وسرت ، وها أنت توصد الآبواب على احلامي .
ـ كان عليك السير ورائي ، لأن العالم رجل .
ـ والدنيا إمراة .
ـ الدنيا تبكينا بزلازلها .
ـ والعالم يحرقنا بحروبه وتناقضاته وبراكينه .. والدمع أرّق من النار ..
ـ الدمع مالح .
ـ والنار حارقة شرسة ، تلتهم الأحلام ، لاتبقي منها حتى العظام ، أما الدمع فيغسل مرايا القلب ، أنظر الى مرآة قلبك ، ستجدها مُغبرة ، لأنك لم تسمح لدمعي بالانسياب على وجنتيك .
ـ الدمع ضعف .. والرجل قوة .
ـ الدمع اقوى الاسلحة احياناً .. لو بكيتَ على يديّ ، لآمنتُ بقوتك .. إبكِ يارجلي القوي إبكِ .
ـ تصطادين في الماء العكر ، دهاؤك ِ صنارة عتيقة متآكلة .
ـ أؤيد ذلك .
سألها بدهشة:
ـ ماذا ؟ أترفعين الراية البيضاء ؟!!
ـ لا، إنما صنارتي العتيقة لااستخدمها إلاّ حينما أحب .. لست أصرف طاقة دهائي مع رجل لايهمني .
ـ أنا لاأهمكِ!! .. لاأعني شيئاً ؟! ماذا عن حبك لي ؟
ـ الحب كالنبت يموت حين يُحرَم من الضوء والماء .
ـ أتذكرين حين كنت تقولين لي إنك فراشة تحلق على أزاهير حبي مدى العمر ؟!
ـ قبل أن تطوق جناحي بهذه السلاسل .
ـ أريدك أن تحلقي مرة أخرى في سمائي .
ـ أنا عاجزة عن التحليق بسبب الزنزانة .
حطم الرجل القيود وفتح النوافذ .. فحلقت الفراشة لكن خارج سمائه، فقد خشيت أن تنمو الأشواك ثانية في تلك الغرفة .
حلقت بعيداُ وأختفت.. وأنطلق الرجل باحثاً عن خطى الصنارة العتيقة .