الدموع تبني الزقورات بموهبة الرسم .. مرثية الى سماء عبد الأمير المجر / بقلم نعيم عبد مهلهل

(( لم اكن في الليلة الماضية قد نمت جيدا، اذ غزتني كوابيس ، بعد أن انتهيت من قراءة (كتاب الحياة) الذي أهداه أليَّ صديقي ، وظل يردد امامي : ان هذا الكتاب يختصر كل ما جاءت به الفلسفة)) ..عبد الأمير المجر في قصة كتاب الحياة من مجموعة له بنفس الاسم

1

يقع قضاء المجر عند الجهة البعيدة من جنوب كوكب دمعة الارض.حيث القصب نما عندما أراده الآلهة السومرية ان تصنع أقلاما من اجل خواطرها الغرامية ، وهناك انتشرت الغابات الخضر .واكتشفت مستوطنات خفية لممالك من الطين والقصب والأقدار التي لم تتلون بمحطات الحياة ، بل هي مسكونة الى لون القصب والماء والسواد الذي يغطي سير الجواميس البطيء الى أمكنة الرعي . وهناك لون الحناء الذي تعود اهل الأهوار ان يطبعوها على شكل كف فوق رايات النذور ورايات عاشوراء.هناك حيث البيوت تتقارب في عاطفة الفلسفة والمواويل مع سير موجات دجلة الى جهة البحر وجبهات الحروب ولد عبد الأمير المجر.تلك القدرية هي من أنجبت حشدا من قصص الجنوب .وأيضا أنجبت قدرا جميلا لطفلة ( سماء الأمير ) خرجت بعوق وموهبة ساحرة .الأب يكتب وهي ترسم .أمها تنظر اليها وهي في جلستها الأبدية مقعدة ثم تنحب بصمت مثل نحيب الأمهات يوم تأتي الحروب ريحا سموم على قراءات أبنائهن الخلدونية . وهي تبتسم وترد لا يهم يا أمي : فأنا صديقي بيكاسو .

2

سماء عبد الأمير كانت ترسم . وكانت تحلم وبمفارقة تلك السيرة التي حملتها نعوش الخسارات .تم تدوينها على بوابة من بوابات دلمون .

عمرها 17 عاما وتوفيت . وفي هذا العمر حصلت على 17 جائزة.

ثنائية الجائزة والعمر تذكرني بذلك الأزل المسكونة بموهبة البنات السومريات عندما أقدارهن تسكن الرؤية والحلم .وحتى في فاجعة الموت او محنة الحياة يصنعن براءة التخيل .شاعرات او رسامات او ساردات لقصص .لاحقا سرقت شهرزاد حكاياتهن .

وكانت سماء ترسم .اللوحات التي تشبه القصائد .وتشبه الحياة عندما تكون خليلة للأساطير وأحلام الملوك وعمال الطين وحلم والديها ان تكون بقدمين وتسير على الأرض مثل غزالة.

3

يوم ماتت سماء ، لم اتخيل نعشها الصغير بحجم كاروك بل تخيلت لوحاتها هي من صرن النعش ورفعتها الألوان باتجاه افق يذهب الى مقبرة في وادي السلام او صوب مدينة المجر الكبير او عند بساتين اطراف بغداد .

تتجمع هالات الضوء مرسومة في لوحاتها .لم تكن نحيفة مثل جسم سماء .بل ان حجومها تلك الأفكار المدهشة في فطرة الرسم وتقنية تخيل الأحلام وتجسيدها داخل لوحة الصبية التي كلما انجزت عملاً شعرت انها ركبت في سفينة نوح حيث الخلود حلمها وليس فتاة تموت ما قبل العشرين.

4

نقديا يُمكن أدراج لوحات سماء الأمير ضمن ادب الفنتازيا المسكون بروح أسطورة التوهج التي تسكن روحها وتجعلها تصنع الدهشة في هكذا حرفة وموهبة وحماس.

ومن ينظر الى لوحات تلك الصبية التي ترقد الآن في قبر الأبدية بعيدا عن أحضان الكرسي وأحضان أبويها سيكتشف ان صنع الجمال إنما هو قرين بما تمتلكه سماء من طاقة الضوء لتحول الأحلام الى فنتازيات مشغولة بدقة وحرفنة وإبهار.

وكل الأنوثة التي تسجل هاجسها سماء في تلك اللوحات هي تقترب من أطياف الحوريات والأميرات واللائي يبحثن عن الحرية وتحقيق الأحلام.أمسك لوحة سماء بأصابع أجفاني .وقبل ان تسقط دمعتي من أجلها .افكر بكتابة نقد جمالي عن صبية الكرسي المتحرك التي لم تعد من سكان الأرض الآن.

5

يوما ما يا سماء ، ستأتي أشرعة الجنوب 

محملة بهاجس الشوق الى من يرسمون دواخلنا وهم يعرفون ان حياتهم ليست طويلة.

هذا الأشرعة ستتلقفها موهبة أبيك قصصا .

وستكون مادة لحرارة الذكريات 

ومتى اعدنا قراءة لوحاتك مرة أخرى سنكتشف ان رؤى جديدة لم ينتبه اليها الجميع 

تلك الرؤى التي تمسك الحياة بقبضة يد ملك أوروك جلجامش.

من يقف أمام اللوحات ويقارنها بوجه البراءة في حدائق ملامح سماء .سيكتشف ان الله قد يخلقنا بعوق ما .ولكنه برحمة خاصة يمنحنا القدرة على صنع الجمال .

شاعرة في لوحتها والقصيدة لون وإيماءات لطفولة تعلمت ان الحرف هو اللون .والقصيدة نبض قلب .

ولأماني روح من كان يسهر من أجلها ويغطي لوحاتها بشراشف الدفء على سرير من حنان سومري.

7

الموت يغيب سماء 

والسماء تغيب المطر 

وبديله الدمعة هطلت عند ضفاف أحلامك الملونة بتفاصيل بنات يركضن في حقول روحك .

يمسكن المظلات ويركبن الأراجيح 

وانتِ عرشكِ مثل بلقيس 

الكرسي المتحرك وقلب أبويك وصباحات لا تبتعد عن أهوار الله كثيرا.


نشرت في جريدة اوروك / الصادرة عن وزارة الثقافة والسياحة والآثار

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة