حملة ثقافة المحبة والسلام
16 Oct
حملة ثقافة المحبة والسلام: مع الأستاذة الدكتورة فضيلة عرفات وحديث عن القراءة الواعية سبيلٌ لتعزيز ثقافة المحبة والسلام والتسامح بين الطلبة والشباب

مجلة سماء الأمير ـ خاص بمبادرة حملة ثقافة المحبة والسلام، الحملة المشتركة بين دار الكتب والوثائق ومجلة سماء الأمير

استحدثت مبادرة منصة ثقافة حملة المحبة والسلام في دار الكتب والوثائق بالتعاون مع مجلة سماء الأمير الإلكترونية الرقمية زاوية تحت عنوان "المحبة والسلام من زاوية الاختصاص"، تتضمن إجراء لقاء مع أصحاب الاختصاص تطرح عليهم أسئلة حول سبل تعزيز ثقافة المحبة والسلام، واستلهام رؤاهم في بناء مجتمع متعايش ومنسجم. 

استضافت الزاوية الإعلامية والأكاديمية الأستاذة الدكتورة الدكتورة فضيلة عرفات محمد، الأستاذة في جامعة الموصل / كلية التربية للعلوم الإنسانية، ووجهت لها السؤال الآتي: 

من منظور علم النفس التربوي، ما الدور الذي تؤديه القراءة الواعية للكتب في تعزيز ثقافة المحبة والسلام بين الطلبة؟ وكيف يمكن للمؤسسات التعليمية أن توظف هذا الدور في بناء سلوكيات إيجابية داخل المجتمع؟ 

بدأت الإجابة بالإشارة إلى أهمية القراءة الواعية، قائلة: 

ـ تشكل القراءة الواعية ركيزة أساسية في بناء الشخصية الإنسانية المتوازنة والمتسامحة، لا سيما في أوساط الطلبة. فهي ليست مجرد عملية لفك رموز لغوية، بل هي رحلة استكشافية داخل الذات وخارجها، تمكّن القارئ من فهم التنوع البشري وتقبّل الاختلاف. إن القراءة الواعية المتعمقة والمنتظمة بوعي ليست مجرد هواية، بل هي تمرين عقلي ونفسي قوي، وهي ليست ترفاً ثقافياً، بل استثمار استراتيجي في بناء الإنسان، وهي أحد أقوى الأدوات لترسيخ ثقافة المحبة والسلام بين الطلبة. 

وحددت عرفات فوائد القراءة من منظور علم النفس، ومنها تحسين الصحة النفسية وتقليل التوتر، ومقاومة الضغوط، وتعزيز الذكاء العاطفي، وفهم مشاعر الآخرين، والتعاطف ووضع أنفسنا مكانهم، وفهم وجهات النظر ورؤية العالم من خلال عيون شخص آخر، وتوسيع المدارك الاجتماعية، إذ تجعلنا أكثر قدرة على تفسير الإشارات الاجتماعية وفهم التعقيدات في العلاقات الإنسانية، إضافة إلى تنشيط الدماغ وتعزيز القدرات الإدراكية. 

وأضافت في حديثها أن القراءة تنمّي مهارات عديدة مثل التركيز والانتباه ومقاومة التشتت، وزيادة المعرفة بالذات وتطوير الهوية. فالكتب، ولا سيما في مرحلة الشباب، تساعد في استكشاف القيم والمعتقدات وتشكيل الهوية من خلال التعرّض لأفكار ومبادئ مختلفة. كما تعمل القراءة على تحسين مهارات التواصل والتعبير، وتُستخدم كأداة علاجية مساعدة؛ إذ يمكن من خلالها معالجة بعض الاضطرابات النفسية كالاكتئاب أو القلق أو الصدمات، لأنها تمنح الأمل وتوفّر استراتيجيات للتكيّف، مما يخفف من الشعور بالعزلة والوصمة. كذلك تسهم القراءة في تحسين جودة النوم، ولها دور في تغذية الروح وبناء الإنسان فكرياً وروحياً. وكما قال أحد الأدباء، فإن القراءة تجعلنا "نزرع في الأرض المحبة والسلام". فعندما يصل الفرد إلى حالة من الطمأنينة الداخلية والسلام مع ذاته، ينعكس ذلك إيجاباً على تعامله مع الآخرين، فيصبح أكثر تسامحاً وأقل عنفاً. 

وأوضحت أن القراءة الواعية تمثل أداة للتفكير النقدي وحل النزاعات، فهي تنمّي مهارات التفكير النقدي والتحليلي. ويمكن للمدارس والجامعات أن تتبنى مجموعة من الاستراتيجيات المتكاملة لتحويل القراءة من نشاط فردي إلى أداة جماعية فاعلة لبناء السلوك الإيجابي، منها: 

تعليم الطلبة تقنيات القراءة الناقدة التي يتعلمون من خلالها طرح الأسئلة وتمييز الآراء من الحقائق. 

كما حدّدت عرفات ما يطوّر لدى الطلبة مناعة فكرية ضد خطاب الحقد والكراهية، في النقاط الآتية: 

ـ تأسيس أندية تقوم على مبدأ "الكتاب جليس"، حيث يلتقي الطلاب لمناقشة كتب مختارة، مما يعزز لديهم روح الحوار. 

ـ يجب أن يكون المعلمون والإداريون قدوة في حب القراءة والالتزام بقيم التسامح والسلام في تعاملاتهم اليومية، لأن تأثير الأفعال أكبر من الكلمات. 

ـ يمكن للمؤسسات التعليمية أن تدمج القراءة في إطار برامج دعم السلوك الإيجابي التي تركز على الوقاية وتعليم السلوكيات المتوقعة بدلاً من التركيز على العقاب. فعلى سبيل المثال، يمكن مكافأة الطلاب الذين يظهرون سلوكيات تسامح بتقديم كتب مختارة لهم كجائزة. 

ـ تعزيز القراءة الفاعلة، أي تحويل القراءة من عملية استقبال سلبية إلى عملية تفاعلية، حيث يدون الطلاب ملاحظاتهم ويناقشون الكيفية التي يمكنهم من خلالها تطبيق الدروس المستفادة من القراءة في حل النزاعات اليومية في المدرسة. 

واقترحت على المؤسسات التعليمية اعتماد برنامج مؤسسي شامل لتربية النشء على القراءة، ودمجها مع برامج إدارة السلوك الإيجابي، وحث المدرسين والمعلمين وأساتذة الجامعات على أن يكونوا القدوة والنموذج في حب المعرفة والقراءة. 

وأكدت أنّ على الباحثين إجراء مزيد من الدراسات التطبيقية لقياس الأثر الفعلي لبرامج القراءة المحددة على خفض معدلات العنف المدرسي وترسيخ قيم التعايش. 

كما أشارت إلى أن الدول التي تتبنى السلام تصبح جسوراً للتعاون الدولي بدلاً من بؤر للتوتر، وأن الدبلوماسية القائمة على الاحترام تحفظ مصالح البلاد دون الحاجة إلى الصراع. وشدّدت على دور الأسرة، خاصة الوالدين، في تعليم الأطفال احترام الآخرين منذ الصغر، وعلى وسائل الإعلام أن تسهم في نشر قصص التعاون والتسامح بدلاً من العنف. 

واختتمت عرفات حديثها بالقول: ـ إن ثقافة المحبة والسلام ليست رفاهية، بل ضرورة لاستمرار أي مجتمع، فهي الضمانة الوحيدة لمستقبل تزدهر فيه الأجيال القادمة في ظل الأمن والازدهار. وعلى كل فرد أن يكون لبنة في هذا البناء، لأن السلام يبدأ من الداخل قبل أن يكون سياسة دولة. وكما قال نيلسون مانديلا: "إذا أردت السلام، فلا تحاور أصدقاءك، بل حاور أعداءك". بهذه القيم، نستطيع أن نجعل بلدنا نموذجاً يُحتذى به في التعايش والتقدم والسلام والتطور، وتصبح المدرسة والجامعة ليسا فقط مكاناً للتعلم، وإنما واحتين للسلام ومنارتين تشعّ منهما قيم المحبة والتسامح، لينعم الأفراد والمجتمعات بالاستقرار والوئام.    

المصدر الأصلي: مبادرة منصة حملة ثقافة المحبة والسلام، الحملة المشتركة بين دار الكتب والوثائق ومجلة سماء الأمير.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة