أسماء محمد مصطفى
حملة ثقافة المحبة والسلام
21 Feb
اجعلوا عروش المحبة مزدحمة بكم/ أسماء محمد مصطفى

مجلة سماء الأمير ـ خاص:

(هذا المقال خاص بحملة (ثقافة المحبة ونبذ الكراهية) التي أطلقتها أسماء محمد مصطفى  ومجلة سماء الأمير في سنة 2012، وأضيف إلى قائمة مقالات  حملة ثقافة المحبة والسلام بعد انطلاقها التعاون بين دار الكتب والوثائق ومجلة سماء الأمير الرقمية في 10 من تشرين الثاني 2024).


ما بالنا يأكل بعضنا بعضاً؟ كأننا في سباق محموم من أجل الفوز بلقب الوريث الأمثل لقابيلَ! 

ما بالنا لا نسعى لنرث الرموز الإنسانية التي أضاءت ظلمة العالم، بدلاً من أن نحتذي بمن أطفأوا ضوءه؟ 

ما بالنا ننسى أو نتناسى أن الحياة قائمة على الحب، كأن الأرحام التي حملتنا كانت تقتلنا، لا تحيينا في الظلمة لنخرج منها إلى النور عراةً إلا من البراءة؟! 

ما بالنا لا نُمعن بمغزى ذلك العري الطاهر الذي خرجنا به للعالم، كأننا بعدم التفكر فيه نريد أن نعود عراةً إلى الأرض إلا من اللابراءة؟! 

ما بالنا لا نأمل ونحن ننزل إلى الأرض في إغماضتنا الأخيرة، أن تنمو فوق جسد موتنا الزهور، بدلاً من أن تبقى ذكراناً قاحلةً؟! ما بالنا لا نسعى لترويض الجزء المكابر من نفوسنا؟ 

ما بالنا لا نسعى إلى إعادة النظر في صفاتنا، وتأملها، لنكتشف القبيح منها، فنسعى إلى تجميلها وتقويمها، لنكون محبوبينَ؟ ما بالنا نسخر من معتقدات الآخر؟ ونسفه عقله وفكره وثقافته؟ 

ما بالنا نمارس دكتاتوريتنا بشكل يومي في حياتنا، بينما ننتقد دكتاتورية حكامنا؟ ما بالنا نفخخ حياتنا بعبوات الكراهية، ونحن نرى الموت كل يوم بمفخخات الإرهاب؟ 

ما بالنا، ونحن نستنكر أساليب الإرهاب، صرنا إرهابيين أسوأ منهم، إذ نسفح القيم الإنسانية السامية؟ 

ما بالنا نغار من نجاح الآخر ونحسده لتميزه، ويا ليتنا نغار منه ونحسده بصمت من غير جعجعة، لكننا نأبى إلا أن نحمل مشارطنا التقبيحية لنجري عمليات التقبيح على كيان هذا الآخر المبتلى بالتميز؟!! 

ما بالنا نحكم على سلوكيات الآخرين بمنظارنا فقط وبمقاييسنا وطباعنا، كأنها هي المثلى، ومقاييس سوانا لا؟ ما بالنا لا نتمهل قليلاً قبل أن نطلق أحكامنا؟ 

ما بالنا لا ننظر أبعد من أنوفنا، كأن لا متسع للحياة أو الحقيقة خارج كياننا؟!! ما بالنا نكتفي بالنظر بعينين فقط، ولا نجرب متعة النظر للعالم بعيون الآخرين، كي نرى لوحة الحياة من كل جوانبها وزواياها، فنفهم ونصبح أقرب للحقيقة؟! 

ما بالنا لا نضع هامشاً أننا على خطأ، مهما وثقنا أننا على صواب؟ ما بالنا نخدش الجمال بمخالب القبح والحسد؟ 

ما بالنا لا نستخدم لغة الورود في كلامنا بحق بعضنا؟ ما بالنا لا نعرف كيف ننتقد أو نبدي آراءنا بلا تجريح أو تهكم أو تقليل من قيمة الآخر؟ 

ما بالنا نقابل قسوة الحياة علينا بقسوة مماثلة لكن علينا أيضاً؟ ما بالنا لا نتلطف، لا ننزل عن أبراج غرورنا، لا نفكر بتأثير الكلمة الفظة أو الفكرة القاتلة قبل أن نتهور ونطلقها؟!! 

ما بالنا نتعالى بأسماء قومياتنا أو أدياننا أو طوائفنا أو بلداننا أو ثقافاتنا أو موروثاتنا أو حضاراتنا، ونحن في الأول والآخر من الأب نفسه والأم نفسها؟!! 

ما بالنا لا نفتح صناديق رؤوسنا، ونخرج أدمغتنا وعقولنا، لترى الشمس، فيمنحها النور مدىً أوسع للرؤية؟ أَيَصعب علينا أن نكون أجملَ؟ وأرقى؟ وأنبلَ؟ وأحبَّ؟!! أم إننا بتنا مخلوقات مُنَوَّمة مغناطيسياً من قبل غول الكراهية، أو غسلت الحروب والضغوط والخيبات أمخاخها، وحولتها إلى كائنات عصية على الحب؟!! 

ما بالنا لا نواجه غسل المخ هذا بغسل الروح من ملوثاتها؟!! لست أدعوكم لتكونوا ملائكة، فهي كائنات حيادية الفكر والشعور، لكنني أدعوكم لتكونوا خلاصة إنسان.. والوصفة ليست عصية، لكن لا بد من خطوة أولى لتهذيب النفس وتشذيبها.. هل يصعب عليكم أن تتنزهوا من الغيرة والحسد والكره والحقد والسخرية والنميمة والنفاق وما إلى ذلك؟ 

الوصفة الإنسانية التي أقدمها هنا فيها شيء من تلك الصفات والسلوكيات ولكن بمنظور آخر لا يهدم، بل يبني: 

غاروا.. اطمعوا.. اسخروا.. اقتلوا.. أرهبوا.. غاروا.. نعم غاروا من نجاح الآخر، لكن غيرةً بيضاء تحثكم على أن تطوروا من نفوسكم وتنَقُّوا أرواحكم وتقدموا الأفضل للبشرية؟ 

غاروا من جمال الآخر الروحي، لكن غيرةً جميلة تنقي قلوبكم من الشوائب فتصبحوا أجملَ.. اطمعوا.. نعم اطمعوا بما يمتلكه الغير، لكن طمعاً أبيض يجعلنا نعمل من أجل الفوز بالأفضل. 

اسخروا.. نعم اسخروا لكن من ضعفكم الذي يحول بينكم وبين تنمية سماتكم الروحية.. لعلكم بعد موجة السخرية الضاحكة تطلقون دمعةً تُنْدي قلوبكم وتمسح شوائبكم.. ا

قتلوا.. نعم اقتلوا.. لكن ما في نفوسكم من ضغائن.. أرهبوا وفخخوا.. لكن وجهوا مفخخات مشاعركم نحو الكراهية والحسد.. 

قد يغلب الطبع التطبع، لكن لا بأس بالمحاولة.. فقط حاولوا تذكير أنفسكم، حين ترتدون عن طريق السمو.. الروح قد تحتاج إلى مفكرة هي الأخرى.. افتحوا صناديق العقل تلك.. 

افتحوا صناديق القلب تلك.. ودعوا فراشات المحبة الخالصة والحكمة الفاضلة تنطلق منها إلى من حولكم.. مثلما أطلقت باندورا فراشات الأمل إلى العالم.. لكن الفارق بينكم وبينها أنها أسطورة تُجَمِّل الواقع القبيح، أما أنتم فستكونون واقعاً مُؤَسْطَراً، لشدة جماله.. إن فعلتم.. انبشوا في ثنايا القلب والروح، واعثروا على فراشاتكم.. فراشةٌ منك وفراشةٌ مني وفراشةٌ منه وفراشةٌ منها.. يغرق العالم بزحمة الفراشات، لكن ما أجمله من غرق.. يجعلنا محبوبينَ أكثر.. فمن منا لا يرغب بأن يكون محبوباً؟! 

أحبوا أنفسكم، نعم أحبوها، لكن أحبوا الآخر أيضاً.. فكلما أحببتموه زاد نصيبكم من المحبة والحكمة. 

لا يشعر بمتعة هذا العرش الروحي إلا من احتل حبه قلوب الآخرين.. يا ليتكم تجربون.. حتى نرى عروش المحبة مزدحمةً.. بكم.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة