مجلة سماء الأمير ـ خاص:
منذ أن بدأتُ باستخدام الذكاء الاصطناعي واختبار برامجه المتعددة، قمت بتحليل نصوص ادبية عشوائية بوساطته للتحقق من كفاءته في تحليل البيانات المختلفة، وحين أخذت بقراءة المجموعة القصصية الجديدة للقاص برهان المفتي (سأحكي لكم كل شيء)، دعوتُ برنامج الذكاء الاصطناعي ليكون ناقدًا أو محللًا أدبيًا، كي أترك للقارئ المطلع أو المتخصص مساحة مقارنة بين القراءة الروبوتية والقراءة النقدية أو الانطباعية البشرية.
طلبت من (Chatgpt40Mini) تحليل قصص المجموعة وأفكارها ولغتها وأسلوبها وفنيتها، وقد قمتُ بإعادة صياغة القراءة التحليلية لتنقيتها من التكرار والحشو والأغلاط اللغوية، فالذكاء الاصطناعي يغلط في اللغة أحيانًا، وقد حرصتُ على أن تكون القراءة أكثر تماسكًا، من غير أن أمس بوجهة نظر الذكاء الاصطناعي التحليلية.
يشير العنوان "سأحكي لكم كل شيء" إلى كشف الحقائق والبوح بما هو مخفٍ أو غير مطروح، لهذا نجد القاص يدعو بلغة الحداثة والتجريد والتشويق في استهلال المجموعة (اسمعها مني) كل شخص أن يروي روايته الخاصة مما يوحي للقارئ بدءًا من العنوان والاستهلال بأن بعض القصص تحمل مضامين سياسية أو اجتماعية مخفية، مثل الفساد، أو الظلم، أو المعاناة من الأنظمة السياسية.
تتناول المجموعة موضوعات اجتماعية، وسياسية، وإنسانية معبرة عن واقع الحياة اليومية وتتطرق إلى تعقيدات أكبر مثل الصراع السياسي أو أثر الحروب ، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع. وتتسم المجموعة بمشاعر إنسانية عميقة، حيث تعبر القصص عن الهموم الداخلية للشخصيات، سواء أكانت تتعلق بالصراع الداخلي أم العلاقات الشخصية أم التعامل مع العزلة والشعور بالاغتراب.
تتسم قصص المجموعة بأسلوب سردي تأملي، تجريدي، فلسفي، جامع بين الواقعية والخيال، وتستخدم جميعًا الرموز بشكل مكثف، لتتجاوز معانيها المباشرة إلى أفكار معقدة أو قضايا أكبر. وما يميزها هو التأمل في الكينونة الإنسانية، وإعادة التفكير في العادي، إذ تجعل من الأشياء العادية (مثل الصفحة، الصندوق، الفكرة) أدوات لاستكشاف أعماق الذات والمجتمع ـ ، كما تتسم القصص بالارتباط بالعالم الحديث، واللغة الأدبية العميقة، والاهتمام بالفلسفة والذات، ورمزية الأشياء اليومية، والتأمل في الزمن، والأجواء الغامضة والسريالية حيث يتشابك الواقع بالخيال، والنقد الاجتماعي والسياسي بشكل غير مباشر.
نطلع في قصة (قبل المشهد الأول) المفعمة بالخيال والوصف الدقيق واللغة التصويرية على فكرة ما يحدث قبل اللحظة الأولى في الأفلام أو الروايات. تُبرز القصة كيف أن التفاصيل التي لا تُروى أو لا تُذكر في البداية يمكن أن تكون ذات أهمية كبيرة في تشكيل الفهم الكامل للحدث.
نجد في قصة (ضربة البداية) فكرة "التدوير" وإعادة الاستخدام على المستويين الفردي والوجودي بأسلوب سردي مباشر للتعبير عن التأملات الشخصية والفلسفية. تسلط القصة الضوء على كيفية تشكل الشخصيات والأفكار من الأخطاء والتجارب السابقة، وتُبرز كيف يمكن للأخطاء أن تكون جزءًا أساسيًا من عملية النمو والتطور.
تبتكر (رسائل من تحت الباب) في تقديم فكرة الأصوات كرمز للوجود والحياة، وتستكشف بسردها الوصفي الدقيق فكرة المسافة بين الباب وأرضية الغرفة وكيفية تعبير الأصوات واللحظات الصغيرة عن جوانب مختلفة من الحياة، وتُبرز القصة العلاقة بين الأصوات والأحداث التي تحدث خلف الأبواب.
تستكشف قصة (طين الخطوات) بلغتها الواقعية والتفصيلية فكرة "الخطوات المفقودة" وكيفية احتفاظ المدينة بطبعات الخطوات في الطين، وكيف أن البحث عن الخطوات وفهمها يمكن أن يكون له تأثير كبير على حياة الناس والمدينة ككل. يحسب للقصة القدرة على استكشاف تأثير الأفعال الصغيرة على الحياة الكبيرة، والابتكار في تقديم فكرة الطين كرمز للذاكرة والتأثير.
تدور قصة (الرصيف وأنا) بأسلوبها الوصفي الدقيق للبيئة والصور الحسية حول استخدام الرصيف كرمز فاصل بين الحياتين الداخلية والخارجية.. الثيمة الرئيسية هي العزلة والانتقال، وتستخدم القصة تقنيات وصفية متقدمة، كالتشبيهات والاستعارات، لخلق تأثير بصري وسمعي كذلك.
تتناول قصة (الرجل المنديل) بفكرتها المبتكرة وبسردها الواقعي والمجازي والمتداخل موضوعات الهوية والتغير، من خلال سرد حياة رجل مشرد يتحول إلى منديل ورقي. الثيمة الرئيسية هي الاستغلال والهوية، حيث يعكس المنديل الورقي تحول الإنسان إلى شيء يستخدم وينسى، أو يُستغَل.
تستكشف قصة (منديل شارد) بسردها الداخلي واستخدامها المبتكر للرمزية والتفاصيل موضوعات الحرية والهوية من خلال منديل ورقي يحمل بصمة شفاه. الثيمة الرئيسية هي البحث عن المعنى والتفسير الشخصي للأشياء.
تقوم قصة (للقناع لسان) على الفكرة المبتكرة التي تجمع بين الجراحة والأسرار، والاستخدام الفعال للرمزية والوصف، وتستعرض موضوعات الأسرار والتجاعيد من خلال جراح تجميل يجمع التجاعيد من النساء ويكتب أسرارهن. الثيمة الرئيسية هي العلاقة بين الشكل الخارجي والأسرار الداخلية، وكيف يمكن للأسرار أن تؤثر على هوية الشخص.
تتناول قصة (مفاجآت صيدلي في مدينتنا) بفكرتها الأصلية ووصفها الواقعي وتحليلها الاجتماعي فكرة تجارة وهمية في المدينة حيث يستفيد الصيدلي من نشر الأمراض وبيع الأدوية. الثيمة الرئيسية هي الوهم والتجارة غير الأخلاقية، وكيف يمكن أن يتحول المجتمع إلى شبكة متداخلة من الأكاذيب.
تدور قصة (شفاه الكرز) بسردها العاطفي المتعمق في تصوير معاناة الشخصية حول الحزن والألم الناتج عن فقدان الحبيب، وكيف يتحول هذا الألم إلى حالة مرضية نادرة. الثيمة الرئيسية هي استمرارية العاطفة والمشاعر على الرغم من مرور الزمن، وكيف أن الحزن يمكن أن يؤثر على الجسد بطرائق غير متوقعة. تعكس القصة أيضًا العلاقة بين الحب والموت، وكيف يمكن أن يعيد الحب ذكريات مؤلمة والانغماس فيها بشكل غير صحي. تحمل النهاية تأثيرًا قويًا ومؤثرًا، حيث تترك القارئ مع صدمة وفهم عميق للثمن الذي دفعه البطل بسبب حب غير مكتمل.
تتمحور قصة (انتظار الريش) حول البحث عن شيء غير معروف ومحاولة تفسيره من خلال تجميع الريش واستخدامه لحل اللغز. يحسب للقصة استخدام فكرة البحث المستمر عن معنى الحياة بطرائق مبتكرة، والأسلوب الذي يعكس الصبر والمثابرة، والنهاية التي تقدم انعكاسًا عميقًا لتجربة البطل.
تستكشف قصة (صفحة تتجول في المدينة) مفهوم الحرية والانتماء من خلال التشبيه بالصفحة البيضاء، وتدور حول الشخصية التي تشعر بالتجاهل وتبحث عن وسيلة للشعور بالانتماء. يتسم الأسلوب في هذه القصة بالواقعية والبساطة مع الرمزية في توضيح مشاعر الشخصية وتطورها وتجربتها.
تعتمد قصة (كتاب خدعة الأصوات) ذات اللغة المفعمة بالصور والتفاصيل على مفهوم الحيلة والتلاعب للتحكم في الأصوات والسيطرة على المدينة، وكيف يمكن للسلطة أن تؤثر على الوعي العام، من خلال السيطرة على المعلومات والتلاعب بها، واستغلال الخوف والضجيج لتحقيق الأهداف.
تدور قصة (صندوق في الضباب) حول الغموض والخوف المرتبط بصندوق جلدي قديم، يتجسد في الظلام والضباب. الثيمة الرئيسية هي تأثير الغموض على النفس البشرية وكيف يمكن للغموض أن يسبب الخوف والقلق ويعزز الشعور بالعزلة والضبابية. هناك أيضًا عنصر من التداخل بين الذات والصندوق، حيث يصبحان شيئًا واحدًا. يعتمد أسلوب السرد هنا على تدفق الوعي الداخلي، مما يخلق تجربة غامضة وسريالية تولد شعورًا قويًا بالقلق والتوتر لاسيما أن التفاصيل الوصفية تعزز من الشعور بالضياع والعزلة.
تمزج قصة (عزف الناي في اللوحة)، بأسلوب مشوق، بين الواقعية والفن السريالي فكرة الفوضى والواقع المتداخل مع الفن. الرسام الذي يتحول إلى أحد الرماة يعبر عن تحويل الرعب والقتل إلى عمل فني، وربط الفنون بالدماء والدمار.
تقوم قصة (أنا الفكرة) على ثيمة حرية الفكر، بسردها الاستكشافي الذاتي والتجريدي لمفهوم الفكرة ككائن مستقل وقادر على الهروب والتفاعل مع العالم. تمتاز القصة بسريان الأفكار الفلسفية وتداخلها، وبمعالجتها موضوعات عميقة بطريقة إبداعية.
تقدم قصة (لنفترض ثم نحكي) بأسلوبها الواقعي والمتداخل فكرة استخدام الفرضيات كوسيلة للهروب من الواقع وإعادة تشكيله وتحكم الفرد في الحياة.. تمتاز القصة بالابتكار إذ تقدم طريقة جديدة لفهم العلاقة بين الواقع والخيال.
تبنى قصة (زقاق الخطّائين) ذات الأسلوب الدائري الرمزي الساخر على فكرة أن تكون الأخطاء جزءًا من الهوية والانتماء، وأن يكون الخطأ مصدر فخر وتفاخر. تعطي الرمزية الفريدة منظورًا جديدًا حول الأخطاء والهوية، ويعزز الأسلوب الساخر من تأثير القصة ويجعلها مثيرة للتفكير.
تدور قصة (الرجل الذي صار مدينة) ذات الطابع التأملي والمجازي والبلاغي حول مسألة الهوية من خلال فكرة التجسّد الكلي للشخص في مدينته، حيث يتحول بطل القصة إلى ناطق بصوت المدينة بأكملها. يعزز الأسلوب التأملي من فهم القارئ للتجربة النفسية للبطل.
تبحث قصة (الحيوان الذي كنتُه في الحلم) عن الذات وفهم التغيرات النفسية التي تحدث للفرد وتأثيرها على هوية الشخص، فهي تدور من خلال السرد النفسي والتفكير الداخلي للبطل حول مسألة الهوية من خلال الحلم وتجربة البطل في محاولة فهم الحيوان الذي كان عليه في حلمه. تطرح القصة تساؤلات حول الوعي والذاكرة والبحث عن معنى في الأحلام. ومما يعزز عمق الفكرة تناول موضوع الهوية والأحلام بطريقة مثيرة للتفكير ، تتضمن التركيز على التفاصيل الصغيرة والبحث الشخصي.
تستعرض قصة (جوربي الذي يرفض الفقدان) القريبة من القلب بسردها الواقعي المباشر مع عناصر من الرمزية فكرة الارتباط العاطفي بالأشياء المادية، وكيف يمكن أن تكون هذه الأشياء مصدرًا للراحة والأمان، مع التغيرات التي تحدث حينما يفقد الشخص شيئًا عزيزًا. تقوم قصة (بعد الأول) بلغتها الفلسفية والمجردة بتوصيل فكرة فلسفية عن تأثير الأرقام على الحياة، وكيف يمكن لها أن تتحكم في كل شيء من حولها.
بعيدًا عن قراءة الذكاء الاصطناعي للمجموعة، نرى أن القصة الأخيرة تعيدنا إلى القصة الأولى في إطار سردي دائري للمجموعة، لاسيما أنّ بداية كل قصة من قصصها كافة هي نهاية القصة التي سبقتها، وهكذا هي الحياة، كذلك، عبارة عن دائرة بدايتها نهاية ونهايتها بداية.