28 Apr
28Apr

مشرقات / خاص :

في كل مرة كانت ( تعكد ) فوطتها التي كثيرا ماعقدتها في الايام الماضية ..عقدة بعد عقدة تتلوها دعوات لابي الفضل العباس ان يحقق مرادها.
الفوطة التي طالما نزعتها في خلوتها وهي ترفعها الى الاعلى مشفوعة بالدعاء الى الله لانقاذ ولدها من مخاطر الحرب ...تصاحبها دموعها التي تسكبها بحرقة توجع القلب.
خديجة لم تنم ليلة من ليالي الحرب ..كان خيالها يرسم لها صورا مفزعة حينما كان ولدها يتوجه فيها الى الجبهة لكنها سرعان ماتتعوذ من الرحمن من شر ماقد يقع....
في صبيحة يوم من الايام وبعد ان اضطجعت على فراشها بعد سهاد ليلة طويلة حافلة بالهموم والتفكير الطويل افزعتها صرخات جارتها وصراخ بناتها الثلاث من ورائها هنا نفضت خديجة الفراش ولبست عباءتها باتجاه بيت حورية ...كان باب منزل الجارة مشرعا وعدد من الرجال يقفون عند الباب الخارجي
اسرعت خديجة بالدخول وهي مزهولة حد انها لم تعرف احتذت نعالها ..او ..لا...قالت في نفسها لايهم وهي تنظر الى قدميها ..
ماذا صرخت هي الاخرى حورية اخيتي ماذ هناك ...لم تجب الجارة
على سؤالها بل بدلا عن ذلك ازداد صراخها ولطم وجهها بينما دارت البنات الثلاث حول الام المفجوعة ..ودون ان تدري شاركت خديجة في دائرة العويل والبكاء وعرفت من صيحة احدى الشقيقات وهي تصرخ ...اخويه...وليد اويلي عليك اخويه....
وايقنت خديجة ان وليد ابن حورية قد اصابه شئ ما...
جلست متهالكة على الارض لاتدري ماذا تفعل سوى ان احاطت جارتها حورية بذراعيها وهي تواسيها
- حوري خيتي ليش تسبقين الاحداث ...ان شاء الله ماكو شي
يجوز غلط بالاسم....
- ياغلط...انهجم بيتي ...وليد..وليد..
وليد..
لم تملك خديجة ازاء عويل ام وليد الا مشاركتها البكاء والنواح..
حل المساء واتسعت معه دائرة البكاء حين توافدت نسوة المنطقة
وهناك يقف الرجال والشباب والصبية الصغار وكل منهم يطوي جرحا في داخله يقفون هلعين بانتظار نعش الشهيد وليد .
وماهي الا ساعات حتى وقفت سيارة يعلو سقفها تابوت ملفوف بالعلم العراقي ..تلقفه المنتظرين بعيون باكية ...فيما مزقت حورية ثيابها وارتمت على الارض فهرعت صديقاتها من النسوة لسترها بالعباءة...بينما وقعت احدى شقيقات وليد مغشيا عليها فيما لاذت بقية شقيقاتهتحت درج المنزل وهن في حالة يرثى لها...
بعد انقضاء الايام الثلاث لفاتحة وليد عادت الوساوس والاوهام تسيطر على خديجة خاصة وان ولدها قد تأخر هذه المرة بالعودة .
ليل يعقبه ليل ...وكل ليل يمر تكسوه مسحة القلق والترقب ..وخديجة تعكد وتعكد فوطتها من اجل بقاء ولدها سالما من اهوال الحرب وتفاعلاتها على الساحة.
مرت اسابيع على عدم عودة ابن خديجة دون ان يصل ...تناوبت الافكار على الام واختلفت مشاهد تصوراتها بين ان ولدها قد قتل او فقد وهو الان تحت التراب.
سفينة الام مفعمة بالاحزان والتصورات الجنونية ..انها الحرب تدوس باقدامها الهمجية كل شئ ..الطيب...والمشاكس... والبرئ ..هي لاتعرف حدودا لعدد ضحاياها...ولا يهم من سقط او تعوق...خاصة ان الجنرالات لا يهمهم امر الذين يسقطون فقط كانوا نزقين يتلذذون بمناظر الدماء فقط يحاولون كتابة اسمهم بالدم المراق على اديم الحرب....
تلك التخيلات وضعت الام خديجة في موقف لاتحسد عليه اطلاقا بعد ان وفد اقران ولدهاضمن اجازتهم الدورية...
كالمجنونة راحت تسألهم واحدا اثر الاخر :
- خالة هل رأيتم ولدي...
وتوالت اسئلتها لهذا وذاك..لماذا لم يأت مثلما جئتم...!!!!!
الكل التزم الصمت...ولم يجيبوا الام على تساؤلاتها المريرة ...الا مهند وهو الذي كان يرافق ابن خديجة الذي اخذ على عاتقه اشباع رغبة الام الجنونية بمعرفة مصير ابنها حين قال لها ..
- خالة خديجة ابنك هرب وسيسألون عنه...
صرخت بوجهه ثم كتمت صرختها تحسبا من ان تسأل ماذا بها.....لكنها انتحت جانبا ب..مهند
- ابني هرب...يا..وين شو ماجانه؟!!!
بعد ايام طرقت باب الام لينتصب احد الرفاق وهو يمسد شاربيه الكثين ناهرا الام لفسح المجال امامهم بغية تفتيش المنزل ..
- شكو ...عيني شنو السالفة ...
دفعها الرفيق وهو يمضي مسرعا داخل احدى الغرف ليرى ما اذا كان ابنها مختبئا داخلها...ولما لم يجد شيئا صفق الباب بقوة من ورائه ثم اعقب ذلكبلهجة تهديد
- وين...ابنك
تلعثمت الام قبل ان تجيب :
- والله عيني ماادري ...احنه نسأل عليه...
رد عليها بصلافة :
- انت تكذبين...كولي وين ابنك..
- بيش تريد احلفلك والله ماندري
علي ابو الفضل العباس ما اعرف شي عنه..
رد الرفيق بسخرية :
- ياعباس يابطيخ..ثم نادى بصوت عال....يله رفاق....
خرج الجميع من منزل خديجة...بينما تهاوت هي على الارض تنتحب لاتعرف ماذا تفعل...الرفاق يبحثون عن ابنها وهي تجهل مكانه كيف السبيل ياالهي...
هكذا كانت تردد بينها وبين نفسها حتى استيقظت فيها كل كوامن اللوعة والاسى ذارفةدموعا سخية ومن ثم راحت تجفف دموعها ب..فوطتها التي توسخت بفعل العكد والدموع على سطحها.
مرت سنوات دون وقوف الام على مصير ابنها فيما كانت تقارير حزب السلطة تنهال يوميا لتقتفي اثر الابن الهارب دون جدوى منها وضع السلالم للصعود عليها الى داخل الدار بحثا عن الهارب...
لكنه وفي احد الايام تم طرق المنزل وحين فتحته الام واذا بها تواجه ساعي البريد ففوجئت الام المكلومة بشخص يناولها رسالة ...
استغربت الام في بداية الامر وانكرت ان هناك شخصا تعرفه ويبعث لها برسالة هنا شدد ساعي البريد على كلماته ليقول لها
- خاله...ماعلى الرسول الا البلاغ
ردت عليه
- جيب يمه جيب...دنشوف منو هذا احمد.
وحين استلمت الرسالة دلفت الى البيت بسرعة وعند قراءتها لتجد ان المرسل ابنها كرار وكيف انه يعيش في بلاد الغربة بعد ان هرب الى الشمال ومن هناك الى بلاد اجنبية وجد فيها الملجأ الامن لكنه لم يجد راحة البال التي افتقدهالرؤية امه وشقيقاته...
طوت الام صفحة الامها عندما طوت الرسالة ونامت بين نقيضين لا ثالث لهما..

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة